والإحسان أوسع مدلولا،فكل عمل طيب إحسان،والأمر بالإحسان يشمل كل عمل وكل تعامل،فيشمل محيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه،وعلاقاته بأسرته،وعلاقاته بالجماعة،وعلاقاته بالبشرية جميعا.
ومن الإحسان «إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى"إنما يبرز الأمر به تعظيما لشأنه،وتوكيدا عليه.وما يبني هذا على عصبية الأسرة،إنما يبنيه على مبدأ التكافل الذي يتدرج به الإسلام من المحيط المحلي إلى المحيط العام.وفق نظريته التنظيمية لهذا التكافل."
« وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ» ..والفحشاء كل أمر يفحش أي يتجاوز الحد.ومنه ما خصص به غالبا وهو فاحشة الاعتداء على العرض،لأنه فعل فاحش فيه اعتداء وفيه تجاوز للحد حتى ليدل على الفحشاء ويختص بها.والمنكر كل فعل تنكره الفطرة ومن ثم تنكره الشريعة فهي شريعة الفطرة.وقد تنحرف الفطرة أحيانا فتبقى الشريعة ثابتة تشير إلى أصل الفطرة قبل انحرافها.والبغي الظلم وتجاوز الحق والعدل.
وما من مجتمع يمكن أن يقوم على الفحشاء والمنكر والبغي.ما من مجتمع تشيع فيه الفاحشة بكل مدلولاتها،والمنكر بكل مغرراته،والبغي بكل معقباته،ثم يقوم..
والفطرة البشرية تنتفض بعد فترة معينة ضد هذه العوامل الهدامة،مهما تبلغ قوتها،ومهما يستخدم الطغاة من الوسائل لحمايتها.وتاريخ البشرية كله انتفاضات وانتفاضات ضد الفحشاء والمنكر والبغي.فلا يهم أن تقوم عهود وأن تقوم دول عليها حينا من الدهر،فالانتقاض عليها دليل على أنها عناصر غريبة على جسم الحياة،فهي تنتفض لطردها،كما ينتفض الحي ضد أي جسم غريب يدخل إليه.وأمر اللّه بالعدل والإحسان ونهيه عن الفحشاء والمنكر والبغي يوافق الفطرة السليمة الصحيحة،ويقويها ويدفعها للمقاومة باسم اللّه.لذلك يجيء التعقيب: «يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فهي عظة للتذكر تذكر وحي الفطرة الأصيل القويم. [1]
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2190)