وتتوارد أقوال الرسول تترى في هذا الباب وتشهد أعماله بأصالة هذا العنصر في رسالته عليه الصلاة والسلام كما تشهد الأمة التي بناها على الحب أنها لم تكن مجرد كلمات مجنحة،ولا مجرد أعمال مثالية فردية إنما كانت واقعا شامخا قام على هذا الأساس الثابت،بإذن اللّه،الذي لا يقدر على تأليف القلوب هكذا سواه. [1]
فالمنهج واحد،والمبدأ واضح ثابت لا يتغير،فيسلم معتنقها من اتباع الهوى،ويسلم من التخبط في توزيع الولاء والبراء،والمحبة والبغضاء،بل تعطيه معياراً دقيقاً لا يخطىء أبداً،فيسلم من التشتت والتشرد والضياع،فيعرف من يوالي،ويعرف من يعادي،ويعرف ما له وما عليه.
قال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (101) سورة آل عمران
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ،وَيَتَوَكَّلْ عَلَيهِ فَإنَّ ذَلِكَ يُبْعِدُهُ عَنِ الغَيِّ وَالضَّلاَلِ،وَيُوصِلُهُ إلى الهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ،وَطَرِيقِ السَّدَادِ.
أجل.إنه الاعتصام باللّه يعتصم.واللّه سبحانه باق.وهو - سبحانه - الحي القيوم.
ولقد كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يتشدد مع أصحابه - رضوان اللّه عليهم - في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج،بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة،كشؤون الزرع،وخطط القتال،وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي،ولا بالنظام الاجتماعي،ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان..وفرق بين هذا وذلك بين.فمنهج الحياة شي ء،والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر.والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج اللّه،هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة..
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَةَ،فَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ أَلاَ أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ ؟ قَالَ:فَتَغَيَّرَ
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1548)