وأما القوى الطبيعية فموقف المسلم منها هو موقف التعرف والصداقة،لا موقف التخوف والعداء.ذلك أن قوة الإنسان وقوة الطبيعة صادرتان عن إرادة الله ومشيئته،محكومتان بإرادة الله ومشيئته،متناسقتان متعاونتان في الحركة والاتجاه.
إن عقيدة المسلم توحي إليه أن الله ربه قد خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقاً مساعداً متعاوناً؛ وأن سبيله إلى كسب هذه الصداقة أن يتأمل فيها.ويتعرف إليها،ويتعاون وإياها،ويتجه معها إلى الله ربه وربها.وإذا كانت هذه القوى تؤذيه أحياناً،فإنما تؤذيه لأنه لم يتدبرها ولم يتعرف إليها،ولم يهتد إلى الناموس الذي يسيرها.
ولقد درج الغربيون - ورثة الجاهلية الرومانية - على التعبير عن استخدام قوى الطبيعة بقولهم: « قهر الطبيعة » ..ولهذا التعبير دلالته الظاهرة على نظرة الجاهلية المقطوعة الصلة بالله،وبروح الكون المستجيب لله.فأما المسلم الموصول القلب بربه الرحمن الرحيم،الموصول الروح بروح هذا الوجود المسبحة لله رب العالمين..فيؤمن بأن هنالك علاقة أخرى غير علاقة القهر والجفوة.أنه يعتقد أن الله هو مبدع هذه القوى جميعاً.خلقها كلها وفق ناموس واحد،لتتعاون على بلوغ الأهداف المقدرة لها بحسب هذا الناموس.وأنه سخرها للإنسان ابتداء ويسر له كشف أسرارها ومعرفة قوانينها.وأن على الإنسان أن يشكر الله كلما هيأ له أن يظفر بمعونة من إحداها.فالله هو الذي يسخرها له،وليس هو الذي يقهرها: سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ [الحج:65] }.
وإذن فإن الأوهام لن تملأ حسه تجاه قوى الطبيعة؛ ولن تقوم بينه وبينها المخاوف..إنه يؤمن بالله وحده،ويعبد الله وحده،ويستعين بالله وحده.وهذه القوى من خلق ربه.وهو يتأملها ويألفها ويتعرف أسرارها،فتبذل له معونتها،وتكشف له عن أسرارها.فيعيش معها في كون مأنوس صديق ودود..وما أروع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر إلى جبل أُحد: « هذا جبل يحبنا ونحبه » ففي هذه الكلمات كل ما يحمله قلب المسلم الأول محمد - صلى الله عليه وسلم - من ود وألفة وتجاوب،بينه وبين الطبيعة في أضخم وأخشن مجاليها. [1]
(1) - في ظلال القرآن - (1 / 6)