بين وضوح التوحيد الكامل الشامل،والغبش الذي ينشأ من عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة.وكثيراً ما كان الناس يجمعون بين الاعتراف بالله بوصفه الموجد الواحد للكون،والاعتقاد بتعدد الأرباب الذين يتحكمون في الحياة.ولقد يبدو هذا غريباً مضحكاً.ولكنه كان وما يزال.ولقد حكى لنا القرآن الكريم عن جماعة من المشركين كانوا يقولون عن أربابهم المتفرقة: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3) سورة الزمر ،كما قال عن جماعة من أهل الكتاب: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة
وكانت عقائد الجاهليات السائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام،تعج بالأرباب المختلفة،بوصفها أرباباً صغاراً تقوم إلى جانب كبير الآلهة كما يزعمون!
فإطلاق الربوبية في هذه السورة،وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعاً،هي مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة.
لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد،تقر له بالسيادة المطلقة،وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة،وعنت الحيرة كذلك بين شتى الأرباب..ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية الله الدائمة وربوبيته القائمة.وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبداً ولا تفتر ولا تغيب،لا كما كان أرقى تصور فلسفي لأرسطو مثلاً يقول بأن الله أوجد هذا الكون ثم لم يعد يهتم به،لأن الله أرقى من أن يفكر فيما هو دونه! فهو لا يفكر إلا في ذاته! وأرسطو - وهذا تصوره - هو أكبر الفلاسفة،وعقله هو أكبر العقول!
لقد جاء الإسلام وفي العالم ركام من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار..يختلط فيها الحق بالباطل،والصحيح بالزائف،والدين بالخرافة،والفلسفة بالأسطورة..والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يتخبط في ظلمات وظنون،ولا يستقر منها على يقين.