فهرس الكتاب
الصفحة 114 من 240

وكان التيه الذي لا قرار فيه ولا يقين ولا نور،هو ذلك الذي يحيط بتصور البشرية لإلهها،وصفاته وعلاقته بخلائقه،ونوع الصلة بين الله والإنسان على وجه الخصوص.

ولم يكن مستطاعاً أن يستقر الضمير البشري على قرار في أمر هذا الكون،وفي أمر نفسه وفي منهج حياته،قبل أن يستقر على قرار في أمر عقيدته وتصوره لإلهه وصفاته،وقبل أن ينتهي إلى يقين واضح مستقيم في وسط هذا العماء وهذا التيه وهذا الركام الثقيل.

ولا يدرك الإنسان ضرورة هذا الاستقرار حتى يطلع على ضخامة هذا الركام،وحتى يرود هذا التيه من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار التي جاء الإسلام فوجدها ترين على الضمير البشري،والتي أشرنا إلى طرف منها فيما تقدم صغير.

ومن ثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهه إلى تحرير أمر العقيدة،وتحديد التصور الذي يستقر عليه الضمير في أمر الله وصفاته،وعلاقته بالخلائق،وعلاقة الخلائق به على وجه القطع واليقين.

ومن ثم كان التوحيد الكامل الخالص المجرد الشامل،الذي لا تشوبه شائبة من قريب ولا من بعيد..هو قاعدة التصور التي جاء بها الإسلام،وظل يجلوها في الضمير،ويتتبع فيه كل هاجسة وكل شائبة حول حقيقة التوحيد،حتى يخلصها من كل غبش.ويدعها مكينة راكزة لا يتطرق إليها وهم في صورة من الصور..

كذلك قال الإسلام كلمة الفصل بمثل هذا الوضوح في صفات الله وبخاصة ما يتعلق منها بالربوبية المطلقة.فقد كان معظم الركام في ذلك التيه الذي تخبط فيه الفلسفات والعقائد كما تخبط فيه الأوهام والأساطير. [1]

فتوحيد الدينونة لله وحده هو مفرق الطريق بين الفوضى والنظام في عالم العقيدة؛وبين تحرير البشرية من عقال الوهم والخرافة والسلطان الزائف ،أو استعبادها للأرباب المتفرقة ونزواتهم ،وللوسطاء عند الله من خلقه ! وللملوك والرؤساء والحكام الذين يغتصبون أخص خصائص الألوهية - وهي الربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية - فيعبدون الناس لربوبيتهم الزائفة المغتصبة.

(1) - في ظلال القرآن - (1 / 2)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام