وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ،وَكُلٌّ عَلَى خَيْرٍ،احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلاَ تَعْجِزْ،فَإِنْ غَلَبَكَ شَيْءٌ،فَقُلْ:قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ،وَإِيَّاكَ وَ اللَّوَّ،فَإِنَّ اللَّوَ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. [1]
فأهل السنة والجماعة لا ينكرون على من يتوسع في الدنيا،ويسعى في كسب الرزق،بل يرون أنه ينبغي للإنسان أن يكفي نفسه ومن يعول،ويستغني عن الناس،ويقطع الطمع مما في أيديهم،على ألا تكون الدنيا أكبر همه،ولا مبلغ علمه،وعلى ألا يكتسب المال من غير حله،كما لا يعيبون على من آثر الكفاف،ورضي بالقليل من متاع الدنيا،لأنهم يرون أن الزهد إنما هو زهد القلب،وهو أن يترك الإنسان ما لا ينفع في الآخرة.
أما إذا توسع العبد في الدنيا،وجعلها في يده لا في قلبه،يرفد بها الإخوان،ويتصدق على الفقراء والمساكين،ويعين بها على نوائب الحق ـ فذلك من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء.كما هو حال الصديق،وعمر،وعثمان،وعلي،وعبدالرحمن بن عوف،وغيرهم من أثرياء الصحابة من المهاجرين والأنصار ـ رضي الله عنهم ـ.وكحال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ فلقد كان من أغنى أهل زمانه،وهو في الوقت نفسه من أزهدهم إن لم يكن أزهدهم.
37-الجمع بين الخوف والرجاء والحب:
فهم يجمعون بين هذه الأمور،ويرون أنه لا تنافي ولا تعارض بينها.قال ـ سبحانه وتعالى ـ في وصف عباده الأنبياء والمرسلين: ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [الأنبياء:90] .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ،قَالَ:خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،فَقَالَ:"أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ،وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ،وَتَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ،وَتَجْمَعُوا الْإِلْحَافَ بِالْمُسْلِمِينَ،فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ،فَقَالَ: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء:90] ،ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ"
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6945 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 28) (5721)