فهرس الكتاب
الصفحة 51 من 240

"مبرهنة"لا تكتفي من تقرير قضاياها بالإلزام المجرد والتكليف الصارم،ولا تقول كما تقول بعض العقائد الأخرى:"أعتقد وأنت أعمى"أو"آمن ثم اعلم"أو"أغمض عينيك ثم اتبعني"بل يقول كتابها بصراحة: {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (64) سورة النمل.

ولذا تتميزُ العقيدةُ الإسلامية بأنها توقيفيةٌ،فلا تجاوزَ فيها للنصوص المثبتةِ لها،كما إنها عقيدةٌ مبرهنةٌ تقوم على الحجةِ والدليل،ولا تكتفي في تقرير قضاياها بالخبرِ المؤكِّد والإلزام الصارمِ،بل تحترمُ العقولَ والمبادئَ التي يقومُ عليها الدينُ كلُّه،ذلك أنها لا تثبُتُ في جميع جزئياتها وكلياتهِا إلا بدليلٍ من الكتابِ أو السُّنةِ.بل إنَّ أتباعها منهيونَ عن الخوضِ في مسائلِها إلا عن علمٍ وبرهانٍ،قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء.

وهذه الكلمات القليلة تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل،يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا،ويضيف إليه استقامة القلب ومراقبة اللّه،ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة! فالتثبت من كل خبر ومن كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم،ومنهج الإسلام الدقيق.ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة.ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل.ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم.

والأمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى،ويجعل الإنسان مسؤولا عن سمعه وبصره وفؤاده،أمام واهب السمع والبصر والفؤاد..

إنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب.أمانة يسأل عنها صاحبها،وتسأل عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعا.أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة،وكلما روى الإنسان رواية،وكلما أصدر حكما على شخص أو أمر أو حادثة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام