الله في ذلك هي:إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ،وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف 7/ 128] . [1]
وبعد كل ما حدث من وقائع،يذكّر الحق عز وجل هنا صاحب الحال الأعلى بالماضي الأدنى،ليثبت له:أن الذي نقلك من أدنى حياة إلى أعلى حياة،موجود ولا يزال موجوداً،وما دام قد شاءت قدرته أن ينقلك من الأدنى للأعلى،فقدرته سبحانه وتعالى - إن شاءت - نقلتك من الأعلى إلى الأدنى.فإذا كنت في حال أعلى؛ إياك أن تنسى أنك كنت في حال أدنى.وعليك أن تعترف بجميل عطاء الخالق المنعم المتفضل وتقول:إن ربي القوي العظيم هو الذي وهبني ورفع مكانتي ولم أفعل ذلك بمهارتي،وحتى إن كنت قد ارتقيت بالمهارة،فالمهارة عطاء منه سبحانه وتعالى،لذلك يقول المولى عز وجل هنا: { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ } .أي اجعلوا هذا الأمر على بالكم دائما وإياكم أن تخافوا أية قوة مهما بلغت هذه القوة،ولكن أعدوا لكل قوة ما يناسبها من أسلوب المواجهة الكثير؛ لأنكم حملة دعوة،ومن يحمل الدعوة قد يعاني من المصاعب والمتاعب والمشقات؛ لكن يجب ألاَّ يفت ذلك في عضدكم.
لقد كان المسلمون الأوائل قلة تعاني من إذلال واضطهاد الكافرين الأقوياء.وكان المسلم من الأوائل لا يجد أحياناً من يحميه من اضطهاد المتجبرين،فيلجأ إلى كافر يتوسم فيه الرحمة ويقول له:أجرني من إخوانك الكفر.وحين بلغ الضعف بالمسلمين الأوائل أشده،ولم يجدوا حامياً لهم من ظلم وتعذيب الكفار،عرض عليهم - صلى الله عليه وسلم - أن يهاجروا إلى الحبشة؛ لأنَّ فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد.وكانت الهجرة إلى الحبشة هرباً من قوة الخصوم،ولم يظل حال المسلمين كذلك،بل نصرهم الله لا بقوتهم،ولكنه سبحانه وتعالى شاء لهم أن يأخذوا بأسباب منهجه فانتصروا وعلت كلمة الله عز وجل.
إننا نتخذ من هذه المسألة حجة ومثلاً نواجه به من يشككون في قدرة المسلمين على إدارة الحياة والارتقاء بها؛ لأن العالم كله قد شهد ألف عام كان المسلمون فيها هم قادة العلم والفكر والابتكار،وكانت غالبية الدول تخضع لحكم دولة الإسلام.
(1) - التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج - (9 / 296)