مقدمة
الشيخ أبي محمد المقدسي
الحمد لله القائل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (سورة الأنعام: 112 - 113)
والصلاة والسلام على رسول الله القائل:"إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم"
وبعد ..
فإن قلب الكفر الأكبر البواح وتصغيره إلى كفر دون كفر لتسهيل الكفر والتجرييء عليه والتهوين من مآله وعذابه؛ عادة من عادات الأمة الغضبية وسنة يهودية خبيثة قديمة أخبر الله تعالى عنها في القرآن العظيم وحذر منها في الذكر الحكيم، فقال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ، وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (سورة البقرة: 78 - 81)
فتأمل كلام الله في هؤلاء القوم، وقل معي؛ ما أشبه الليلة بالبارحة، أو كما قال حذيفة لما سأله رجل عن آيات الحكم، وقيل: ذلك في بني إسرائيل؟ قال: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مرة، ولكم كل حلوة، كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك.)
فهؤلاء الذين وصفهم الله في هذه الآيات هم أحباب هذه الشبهة (كفر دون كفر) المتعلقون بها، الذين يدفعونها في نحر الآيات المحكمات ليقلبوا الكفر البواح والشرك الصراح إلى كفر أصغر أو عملي كما يحبون تسميته حصرا للكفر الأكبر في باب الاعتقاد، فقولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) (سورة البقرة: من الآية 80) هو حقيقة هذه الشبهة؛ فزعموا أنهم لن يدخلوا النار إلا أربعين يوما بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل، يعني أن الشرك البواح الذي فعلوه مع العجل حين قالوا (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) (سورة