فهرس الكتاب
الصفحة 54 من 224

يتحنبلوا". [1] وهذا ابن تيمية ما كان ينكر أنه حنبلى وابن القيم، ما كان ينكر أنه حنبلي، وفلان شافعي، وفلان مالكي وفلان حنفي .."

وعلى رغم أن هذه الأسماء في الحقيقة - ما كان ينبغي أن تقوم، إلا أن العلماء لم يشعروا بأن هذه الأسماء ضد دين الله عزوجل أو ضد أن يكونوا سنياً، لم يشعروا أن هذه الأسماء توصل لهذه المرتبة التي عليها أهل التقليد المتعصبين، الذين يفرقون الناس شيعاً وأحزاباً، ..

إذن جماعة الحق لها أن تسمى بإسم شرعي، كأن تسموا أنفسهم بجماعة المجاهدين أو جماعة الجهاد أو غيره مثل هذه الأسماء الشرعية، هذا لا يوجد في ديننا ما يمنع منه، وهو شعار من دين الله وليس هو خارج دين الله عزوجل، هو شعار يرفع عملاً صالحاً دعت إليه الشريعة، تلبَّسوا به هذه الجماعة ورفعوا لأنفسهم وتميزوا به وهذا ليس حراماً، وشيخ الإسلام عليه رحمة الله، أجاز مثل هذا الأمر، ولم ير فيه شيئاً .. إنما المنكر وضد المعروف وأن يتكالبوا ويتجمَّعوا على أمر خلاف الحق، وليس قضية الإسم، ولكن قضية العمل، على ماذا تجمَّعوا؟ على أمر سني؟ فحسن. رفعوا شعاراً سنياً؟ فحسن، أي عملاً من أعمال السنة، ولذلك شعار"أهل الحديث"الذي رفعها السلف وأهل السنة، هو من هذا القبيل، وسنفصل مَن هم أهل الحديث، فيما يأتي من الدروس، إن شاءالله ..

إذن يجوز لأهل الحق أن يتسموا بإسمٍ شرعي موافق للحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا شيء فيه، والمنهي عنه، أن يرفعوا شعاراً بدعياً. والشعار البدعى هو الذي لا يوجد في دين الله، أو الذي دلَّ على معنى باطلٍ، والمنهي عنه أيضاً، هو أن يتكابلوا وأن يتجمعوا على أمر باطلٍ، .. و أما أمر التجمع وأساس التجمع نفسه، فهو حق وهو في دين الله ومن دين الله، ودين الله لا يقوم أبداً، ولن تقوم له قأئمة إلا بالجماعة .. حتّى جماعة المنطوين تحت راية الإمام الممكن، حتّى هؤلاء بحاجة إلى الجماعات المسلمة الصغيرة التي تقومون بما تقصِّر فيه الجماعة الكبيرة - كما قدمنا ذكر هذه المسألة - .. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الآن نحن توضَّحت لدينا صورة الإسلام ودوائره بإقترابها من الحق. النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تفترق أمتي .."، فعندنا إذن: أولاً: الدائرة الأوليا الكبيرة، وهي دائرة أمته، وهي دائرة الإسلام، وهي أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ..

ثم بعد ذلك قال:"تفترق أمتي .. كلها في النار إلا واحدة".. إذن في داخلها - أي داخل الأمة - الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة ..

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لاتزال طائفةٌ من أمتي قأئمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتّى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس". [2]

فإنهم أهل الحق، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك) [3] ..

(1) راجع (سير اعلام النبلاء) 18/ 506 - 507.

(2) حديث متفق عليه، بل هو حديث متواتر، راجع (صفة الطائفة المنصورة التي يجب أن تکثر سوادها) . للشيخ أبي بصير الطرطوسي حفظه الله.

(3) سبق تخريجه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام