فبمقدار معرفتك لعجزك، تعرف قوة ربك، وبمقدار معرفتك لقذارتك، تعرف قدوسية الله، قدوس هو بأن تنزه من الدَّنس والنقائص .. ، وبمقدار ذلَّتك، تعرف عِزَّ الله ..
هذا الجبال، كلها مظاهر لأسماء الله وصفاته ..
من أجل هذا، التشريع، مظهرٌ من مظاهر أسماء الله، والتكوين مظهر من مظاهر أسماء الله عزوجل .. ومن هنا، موافقة التشريع للتكوين. وهذا المفهوم، اسمه (الحق) ، هذا هو معنى (الحق) . ماهو الحق؟ موافقة الشيء على ماهو عليه ..
فلما قال الله، أنا أعطيتكم التشريع الحق الموافق لماذا؟ لخلقه. الذي هو مصدره من؟ مصدره الحق. الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) . [1] فيصبح المسلم بهذا مهتدياً، وبهذا عاقلاً .. ، ونريد أن ننبه أنَّ من لم يعرف هذه القضية، ولم يصْبِح في عبادته لله قريباً إلى الله، ولكن ترى كلما كان - كان عند السلف هذه القضية واضحة -، كلما كان الرجل عبداً لله، وقريباً إلى الله، كلما كان أعلم من غيره. الآن، لماذا كان أبوبكر أعلم من عمر؟ هل أبوبكر أعلم بالله من عمر بن الخطاب؟ نعم .. هو اعلم بالله من عمربن الخطاب، ولذلك كانت المشاكل والخلافات التي تقع بين أبي بكر وعمر، من كان أقرب فيها إلى الحق؟ أبوبكر. أنظروا إلى قضية الردة، وعمر رضي الله عنه، كان يفهم هذه القضية، وهي أن أبي بكر رضي الله عنه، أقرب إلى الله منه وأكثر معرفة بحكم الله ومراد الله في هذه المسألة منه، ولذلك جعل عمر إطمئان قلب أبي بكر حجة شرعية .. ، - هذا نحن لا نقوله في أصول الفقه -، أصول الفقه، لا تذكر لنا:"ومن أدلة الحكم الشرعي، اطمئان قلب أبي بكر .."، لكن حقيقة الآن، سأذكر لكم، مذكور في كتب أصول الفقه، ماهو؟ من أين جئتُ بهذا الكلام؟ .. ، ماذا قال عمر؟ قال:"فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه بالقتال، فعرفت أنه الحق". [2]
فهل إطمئان القلب النير، دليل شرعي؟ ذكر العلماء في كتب أصول الفقه هذا الموضوع. [3]
قال العلماء:"إن إطمئان القلب، لا يعمَل به إلّا بعد تضارب الأدلة في نفس الفقيه، ولا يستطيع أن يراه نصَّاً، لأنه، الأصل النص، إطمأنَّ قلبك أو لا، الأصل النص، - و إن لم تطمئن قلبك بالنص - فعليك أن تتهم نفسك، مقابل وضوح النص، لأن القلب قد يخطأ، فالأصل وضوح النص، فإذا تضاربت الأدلة ولم تهتدي، جائزٌ لديك أن تعمل بإطمئنان قلبك، لكن لا تلزم به الآخر، يعني لمّا تضاربت الأدلة ولن تستطيع أن تخرج منها بحكم شرعي، حينئذٍ تخرج بأنَّ هذا الوجه أو هذا الحكم، أقرب إلى مراد الله، وأقرب إلى تشريع الله ومقاصده، وأقرب إلى ما يحبه الله ويريده عزوجل، فتعمل به - في خاصة نفسك - ولكن لا تلزم به"
(1) فصلت (42)
(2) انظر صحيح البخاري"باب أخذ العناق في الصدقة"رقم (1456) وصحيح مسلم، کتاب الإيمان باب"الأمر بقتال الناس حتّي يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله و ..". رقم (29) .
(3) يذکر علماء الأصول، هذا الموضوع في کتبهم - غالباً - عند الکلام علي"دلالة الإلهام"، ولتفصيل هذا الموضوع، تستطيع أن تراجع، الکتب المرجع في أصول الفقه، کالبحر المحيط للزرکشي و"ارشاد الفحول"للشوکاني وغيره.