فهرس الكتاب
الصفحة 136 من 224

يقولوا"حديث آحاد"، هذا لا يؤخذ منها العقيدة، وإما أن يقولوا، هذا الحديث مكذوب، لأن الصحابي، أو الراوي، جاهل!، وإما يتهمون المحدثين بأنهم، هؤلاء حشوية، أو ما شابه ذلك .. ، المهم، عند المعتزلة، أساس القضية، الحق مع العقل فيما زعموا، فيقدمون العقل [1] على النقل ..

لكن الأشاعرة جماعة كما ثبت لدينا أنهم يواجهون المسائل مواجهةً صريحةً، بل يحاولوا أن يوَفقوا، فلفقوا فلا يوفقوا ..

قالوا: إذا تعارض العقل [2] مع النقل - قال الرازي - إذا قلنا بالنقل - هكذا يقول الرازى في هذا القانون الكلي الذي زعمه -، فلو قلنا أن المقدَّم هو النقل، فعندنا عارضٌ. ماهو؟

العارض هو: في أنه لم يثبت صحة النقل إلّا العقل .. فإذا تعارض العقل مع النقل فقلنا أن المقدَّم هو النقل ونبذنا العقل، فإن النقل لم يثبُت صِحَّته إلا بالعقل.

إذن العقل هو الأصل، لأن - عندهم - هو الذي يثبت صحة النص، والنقل فرعٌ، إذن إمتنع - عندهم - تقديم النقل على العقل .. - يقول:"لكن لو قلنا بالعقل ونبذنا النقل، فإن هذا، إتهام للشريعة. يعني إذا قلنا النقل لا قيمة له، وأخذنا بالعقل، فهذا إتهام بالشريعة أنها تعارض العقل، فلابدّ أن نضع طريقة معينة لنجمع بينهما، لابُدّ أن نجمع بين الأصل والفرع الذي خرج من الأصل، لا يمكن أن يكون مغايراً له، إلا أن يكون موافقاً له. - فقال - إذن نريد ونبحث عن المعنى اللغوي في داخل النقل ليوافق العقل. البحث عن المعنى الآخر - أو المعنى الخفي - في داخل اللفظ، ليكون موافقاً للعقل. هذا الذي سماه"التأويل".."

فقال لابدّ أن نؤوِّل اللفظ العربي الوارد في النقل ..

(1) العقل عند المعتزلة، هو المنطق الأرسطي الذي ورثوه عن اليونان. وليس العقل الذي سبق شرحه، - - عند أهل السنة -، وهو الفطرة، أو"أصل الخلق"، أو"أصل الشيء"أو"الحقيقة"التي خلقها الله علي ما هي عليه، أو الوجود کما خلقها الله علي ما هي عليه، أو الوجود کما خلقها الله، أو الحق کما خلقه الله، أو علَّمنا إياه الرب سبحانه وتعالي. لکن العقل عند المعتزلة، هو المنطق الأرسطي، البديهيات التي زعموها، والقوانين التي أحدثوها، فإذا تعارض هذه، مع النقل، قدموها علي النقل ..

هذا التعارض المزعوم (بين العقل والنقل) إنما هو في الواقع، مسلک الفلاسفة في الأصل. الذين لا يثبتون النبوات، ولا يرون أن إرسال الرسل وما جاؤوا به حقائق ثابتة، فمصدرهم في الإستدلال علي إثبات الأمور هو العقل، ما أثبته العقل فهو الثابت، وما نفاه هو المنفي.

فلما اعتمد المتکلمون من المعتزلة ومن نحي نحوهم کالأشاعرة والماتريدية هذا الأصل، وقرروا أن العقل هو الميزان الصحيح، وأن أحکامه يقينيه. أقحموا العقل في مجالات ليست من مجال بحثه، فخرج العقل بأحکام باطلة وفاسدة، وهي بزعمهم أنها يقينية. ثم أرادوا أن يجمعوا بين هذه الأحکام ونصوص الوحي، فتولد لديهم تعارض بين الأحکام العقلية التي توصلوا إليها وبين نصوص الوحي، فأرادوا أن يتخلصوا من هذا التعارض، فوضعوا قانوناً، يسمي بقانون التأويل، الذي حاصله أنه يجب تقديم العقل علي النقل، وتأويل النقل حتّي يتفق مع العقل أو تفويضه.

و أصل شبهتهم في تقديمهم للعقل علي النقل وجعله مصدر التلقي، وهو إعتقادهم أن السمع (( =النقل) ، لا يعرف ولا يثبت إلا من طريق العقل ...

(2) کما سبق أن العقل، عندهم، هو"المنطق الأرسطي".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام