فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 491

التصور الإسلامي والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها. فعن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى اللّه وحده بالعبودية والعبادة. فلا يكون إنسان عبدا إلا للّه ، ولا يتجه بالعبادة إلا للّه ، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة اللّه ، وما يأمره اللّه به من الطاعات. وعن هذا التصور تنشأ قاعدة: الحاكمية للّه وحده. فيكون اللّه وحده هو المشرع للعباد ويجيء تشريع البشر مستمدا من شريعة اللّه. وعن هذا التصور تنشأ قاعدة استمداد القيم كلها من اللّه فلا اعتبار لقيمة من قيم الحياة كلها إذا لم تقبل في ميزان اللّه ، ولا شرعية لوضع أو تقليد أو تنظيم يخالف عن منهج اللّه .. وهكذا إلى آخر ما ينبثق عن معنى الوحدانية من مشاعر في الضمير أو مناهج لحياة الناس في الأرض على السواء.

«الْحَيُّ الْقَيُّومُ» ..والحياة التي يوصف بها الإله الواحد هي الحياة الذاتية التي لم تأت من مصدر آخر كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق. ومن ثم يتفرد اللّه - سبحانه - بالحياة على هذا المعنى. كما أنها هي الحياة الأزلية الأبدية التي لا تبدأ من مبدأ ولا تنتهي إلى نهاية ، فهي متجردة عن معنى الزمان المصاحب لحياة الخلائق المكتسبة المحددة البدء والنهاية. ومن ثم يتفرد اللّه - سبحانه - كذلك بالحياة على هذا المعنى. ثم إنها هي الحياة المطلقة من الخصائص التي اعتاد الناس أن يعرفوا بها الحياة. فاللّه - سبحانه - ليس كمثله شي ء ، ومن ثم يرتفع كل شبه من الخصائص التي تتميز بها حياة الأشياء ، وتثبت للّه صفة الحياة مطلقة من كل خصيصة تحدد معنى الحياة في مفهوم البشر .. وتنتفي بهذا جميع المفهومات الأسطورية التي جالت في خيال البشر! أما صفة «الْقَيُّومُ» .. فتعني قيامه - سبحانه - على كل موجود. كما تعني قيام كل موجود به فلا قيام لشيء إلا مرتكنا إلى وجوده وتدبيره .. لا كما كان أكبر فلاسفة الإغريق - أرسطو - يتصور أن اللّه لا يفكر في شيء من مخلوقاته ، لأنه تعالى أن يفكر في غير ذاته! ويحسب أن في هذا التصور تنزيها للّه وتعظيما وهو يقطع الصلة بينه وبين هذا الوجود الذي خلقه .. وتركه .. فالتصور الإسلامي تصور إيجابي لا سلبي. يقوم على أساس أن اللّه - سبحانه - قائم على كل شي ء ، وأن كل شيء قائم في وجوده على إرادة اللّه وتدبيره .. ومن ثم يظل ضمير المسلم وحياته ووجوده ووجود كل شيء من حوله مرتبطا باللّه الواحد الذي يصرّف أمره وأمر كل شيء حوله ، وفق حكمة وتدبير ، فيلتزم الإنسان في حياته بالمنهج المرسوم القائم على الحكمة والتدبير ويستمد منه قيمه وموازينه ، ويراقبه وهو يستخدم هذه القيم والموازين.

«لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ» ..وهذا توكيد لقيامه - سبحانه - على كل شي ء ، وقيام كل شيء به. ولكنه توكيد في صورة تعبيرية تقرب للإدراك البشري صورة القيام الدائم. في الوقت الذي تعبر فيه هذه الصورة عن الحقيقة الواقعة من مخالفة اللّه - سبحانه - لكل شيء .. «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ» .. وهي تتضمن نفي السنة الخفيفة أو النوم المستغرق ، وتنزهه - سبحانه - عنهما إطلاقا ..

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام