فهرس الكتاب
الصفحة 426 من 491

ثم إنه السّلام العميق بين المؤمنين بدين اللّه الواحد ، السائرين على شرعه الثابت وانتفاء الخلاف والشقاق والشعور بالقربى الوثيقة ، التي تدعو إلى التعاون والتفاهم ، ووصل الحاضر بالماضي ، والماضي بالحاضر ، والسير جملة في الطريق. وإذا كان الذي شرعه اللّه من الدين للمسلمين المؤمنين بمحمد هو ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى.

ففيم يتقاتل أتباع موسى وأتباع عيسى؟ وفيم يتقاتل أصحاب المذاهب المختلفة من أتباع عيسى وفيم يتقاتل أتباع موسى وعيسى مع أتباع محمد؟ وفيم يتقاتل من يزعمون أنهم على ملة إبراهيم من المشركين مع المسلمين؟

ولم لا يتضام الجميع ليقفوا تحت الراية الواحدة التي يحملها رسولهم الأخير؟ والوصية الواحدة الصادرة للجميع: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» ؟ فيقيموا الدين ، ويقوموا بتكاليفه ، ولا ينحرفوا عنه ولا يلتووا به ويقفوا تحت رايته صفا ، وهي راية واحدة ، رفعها على التوالي نوح وإبراهيم وموسى وعيسى - صلوات اللّه عليهم - حتى انتهت إلى محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم - في العهد الأخير.

ولكن المشركين في أم القرى ومن حولها - وهم يزعمون أنهم على ملة إبراهيم - كانوا يقفون من الدعوة القديمة الجديدة موقفا آخر: «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» ..

كبر عليهم أن يتنزل الوحي على محمد من بينهم وكانوا يريدون أن يتنزل «عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» أي صاحب سلطان من كبرائهم. ولم تكن صفات محمد الذاتية وهو بإقرارهم الصادق الأمين ، ولا كان نسبه وهو من أوسط بيت في قريش. ما كان هذا كله يعدل في نظرهم أن يكون سيد قبيلة ذا سلطان! وكبر عليهم أن ينتهي سلطانهم الديني بانتهاء عهد الوثنية والأصنام والأساطير التي يقوم عليها هذا السلطان وتعتمد عليها مصالحهم الاقتصادية والشخصية. فتشبثوا بالشرك وكبر عليهم التوحيد الخالص الواضح الذي دعاهم إليه الرسول الكريم.

وكبر عليهم أن يقال: إن آباءهم الذين ماتوا على الشرك ماتوا على ضلالة وعلى جاهلية فتشبثوا بالحماقة ، وأخذتهم العزة بالإثم ، واختاروا أن يلقوا بأنفسهم إلى الجحيم ، على أن يوصم آباؤهم بأنهم ماتوا ضالين.

والقرآن يعقب على موقفهم هذا بأن اللّه هو الذي يصطفي ويختار من يشاء وأنه كذلك يهدي إليه من يرغب في كنفه ، ويتوب إلى ظله من الشاردين: «اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» ..

وقد اجتبى محمدا - صلّى اللّه عليه وسلّم - للرسالة. وهو يفتح الطريق لمن ينيب إليه ويثوب.

ثم يعود إلى موقف أتباع الرسل ، الذين جاءوا قومهم بدين واحد ، فتفرق أتباعهم شيعا وأحزابا:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام