وهذه القاعدة المطردة هي التي ينبغي لطلائع البعث الإسلامي أن تدركها وأن ترتب حركتها على أساسها:
إن الخطوة الأولى تبدأ دعوة للناس بالدخول في الإسلام والدينونة للّه وحده بلا شريك ونبذ الدينونة لأحد من خلقه - في صورة من صور الدينونة - ثم ينقسم القوم الواحد قسمين ، ويقف المؤمنون الموحدون الذين يدينون للّه وحده صفا - أو أمة - ويقف المشركون الذين يدينون لأحد من خلق اللّه صفا آخر .. ثم يفاصل المؤمنون المشركين .. ثم يحق وعد اللّه بنصر المؤمنين والتدمير على المشركين .. كما وقع باطراد على مدار التاريخ البشري.
ولقد تطول فترة الدعوة قبل المفاصلة العملية. ولكن المفاصلة العقيدية الشعورية يجب أن تتم منذ اللحظة الأولى.
ولقد يبطىء الفصل بين الأمتين الناشئتين من القوم الواحد وتكثر التضحيات والعذابات والآلام على جيل من أجيال الدعاة أو أكثر .. ولكن وعد اللّه بالفصل يجب أن يكون في قلوب العصبة المؤمنة أصدق من الواقع الظاهر في جيل أو أجيال. فهو لا شك آت. ولن يخلف اللّه وعده الذي جرت به سنته على مدار التاريخ البشري.
ورؤية هذه السنة على هذا النحو من الحسم والوضوح ضرورية كذلك للحركة الإسلامية في مواجهة الجاهلية البشرية الشاملة. فهي سنة جارية غير مقيدة بزمان ولا مكان .. وما دامت طلائع البعث الإسلامي تواجه البشرية اليوم في طور من أطوار الجاهلية المتكررة وتواجهها بذات العقيدة التي كان الرسل - عليهم صلوات اللّه وسلامه - يواجهونها بها كلما ارتدت وانتكست إلى مثل هذه الجاهلية. فإن للعصبة المسلمة أن تمضي في طريقها ، مستوضحة نقطة البدء ونقطة الختام ، وما بينهما من فترة الدعوة كذلك. مستيقنة أن سنة اللّه جارية مجراها ، وأن العاقبة للتقوى.
وأخيرا ، فإنه من خلال هذه الوقفات أمام القصص القرآني في هذه السورة تتبين لنا طبيعة منهج هذا الدين ، كما يتمثل في القرآن الكريم .. إنها طبيعة حركية تواجه الواقع البشري بهذا القرآن مواجهة واقعية عملية ..
لقد كان هذا القصص يتنزل على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في مكة. والقلة المؤمنة معه محصورة بين شعابها ، والدعوة الإسلامية مجمدة فيها ، والطريق شاق طويل لا يكاد المسلمون يرون له نهاية! فكان هذا القصص يكشف لهم عن نهاية الطريق ويريهم معالمه في مراحله جميعا ويأخذ بأيديهم وينقل خطاهم في هذا الطريق وقد بات لا حبا موصولا بموكب الدعوة الكريم على مدار التاريخ البشري