فهرس الكتاب
الصفحة 373 من 491

وحقيقة أن هذه الأحكام النهائية الواردة في هذه السورة كانت تواجه حالة بعينها في الجزيرة وكانت تمهيدا تشريعيا للحركة المتمثلة في غزوة تبوك ، لمواجهة تجمع الروم على أطراف الجزيرة مع عمالهم للانقضاض على الإسلام وأهله - وهي الغزوة التي يقوم عليها محور السورة - ولكن وضع أهل الكتاب تجاه الإسلام وأهله لم يكن وليد مرحلة تاريخية معينة. إنما كان وليد حقيقة دائمة مستقرة كما أن حربهم للإسلام والمسلمين لم تكن وليدة فترة تاريخية معينة. فهي ما تزال معلنة ولن تزال .. إلا أن يرتد المسلمون عن دينهم تماما! ..

وهي معلنة بضراوة وإصرار وعناد ، بشتى الوسائل على مدار التاريخ! ومن ثم فهذه الأحكام الواردة في هذه السورة أحكام أصيلة وشاملة وغير موقوتة بزمان ولا مقيدة بمكان .. ولكن العمل بالأحكام إنما يتم في اطار المنهج الحركي الإسلامي ، الذي يجب أن يتم الفقه به ، قبل أن يتحدث المتحدثون عن الأحكام في ذاتها.

وقبل أن يحمل واقع ذراري المسلمين - الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - وضعفهم وانكسارهم على دين اللّه القوي المتين! إن الأحكام الفقهية في الإسلام كانت - وستظل دائما - وليدة الحركة وفق المنهج الإسلامي. والنصوص لا يمكن فهمها إلا باستصحاب هذه الحقيقة .. وفرق بعيد بين النظرة إلى النصوص كأنها قوالب في فراغ والنصوص في صورتها الحركية وفق المنهج الإسلامي. ولا بد من هذا القيد: «الحركة وفق المنهج الإسلامي» فليست هي الحركة المطلقة خارج المنهج بحيث نعتبر «الواقع البشري» هو الأصل أيا كانت الحركة التي أنشأته ، ولكن «الواقع البشري» يصبح عنصرا أساسيا في فقه الأحكام إذا كان قد أنشأه المنهج الإسلامي ذاته.

وفي ظل هذه القاعدة تسهل رؤية تلك الأحكام النهائية في العلاقات بين أهل الكتاب والمجتمع المسلم وهي تتحرك الحركة الحية في مجالها الواقعي وفق ذلك المنهج الحركي الواقعي الإيجابي الشامل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام