فهرس الكتاب
الصفحة 317 من 491

على قواعد الإسلام .. ولم يجاهد حق جهاده في هذه السبيل ، فاتته غايته. وقصر عن تحقيق البغية التي أنشئ لأجلها. فإنه ما أنشئ إلا لإدراك هذه الغاية ، وتحقيق هذه البغية .. بغية إقامة نظام الحق والعدل .. ولا غاية له ولا عمل إلا الجهاد في هذه السبيل. وهذه الغاية الوحيدة التي بينها اللّه تعالى في كتابه العزيز بقوله: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» .. (آل عمران: 110) «ولا يظن أحد أن هذا الحزب .. «حزب اللّه» بلسان الوحي .. مجرد جماعة من الوعاظ المبشرين ، يعظون الناس في المساجد ، ويدعونهم إلى مذاهبهم ومسالكهم بالخطب والمقالات ليس إلا! ليس الأمر كذلك! وإنما هو حزب أنشأه اللّه ليحمل لواء الحق والعدل بيده ، ويكون شهيدا على الناس ومن مهمته التي ألقيت على كاهله من أول يوم أن يقضي على منابع الشر والعدوان ، ويقطع دابر الجور والفساد في الأرض والاستغلال الممقوت وأن يكبح جماح الآلهة الكاذبة ، الذين تكبروا في أرض اللّه بغير الحق وجعلوا أنفسهم أربابا من دون اللّه ويستأصل شأفة ألوهيتهم. ويقيم نظاما للحكم والعمران صالحا يتفيأ ظلاله القاصي والداني والغني والفقير .. وإلى هذا المعنى أشار اللّه تعالى في غير واحدة من آي الذكر الحكيم: «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» .. (الأنفال: 38) .

«إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» .. (الأنفال: 73) .

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» .. (التوبة: 33) «فتبين من كل ذلك أن هذا الحزب لا بد له من امتلاك ناصية الأمر ولا مندوحة له من القبض على زمام الحكم لأن نظام العمران الفاسد لا يقوم إلا على أساس حكومة مؤسسة على قواعد العدوان والفساد في الأرض وكذلك ليس من الممكن أن يقوم نظام للحكم صالح ، ويؤتي أكله ، إلا بعد ما ينتزع زمام الأمر من أيدي الطغاة المفسدين. ويأخذه بأيديهم رجال يؤمنون باللّه واليوم الآخر ولا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا.

«وأضف إلى ذلك أن هذا الحزب بصرف النظر عما يرمي إليه من إصلاح العالم وبث الخير والفضيلة في أنحاء الأرض كافة ، لا يقدر أن يبقى ثابتا على خطته ، متمسكا بمنهاجه ، عاملا وفق مقتضياته ما دام نظام الحكم قائما على أساس آخر ، سائرا على منهاج غير منهاجه. وذلك أن حزبا مؤمنا بمبدأ ونظام للحياة والحكم خاص ، لا يمكن أن يعيش متمسكا بمبدئه عاملا حسب مقتضاه في ظل نظام للحكم مؤسس على مبادئ وغايات غير المبادئ والغايات التي يؤمن بها ، ويريد السير على منهاجها. فإن رجلا يؤمن بمبادىء الشيوعية ، إن أراد أن يعيش في بريطانيا أو ألمانيا ، متمسكا بمبدئه ، سائرا في حياته على البر نامج الذي تقرره الشيوعية ، فلن يتمكن من ذلك أبدا ، لأن النظم التي تقررها الرأسمالية أو الناتسية «1» تكون مهيمنة عليه ، قاهرة بما أوتيت من سلطان ، فلا يمكنه أن يتخلص من براثنها أصلا ..

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام