فهرس الكتاب
الصفحة 315 من 491

«تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» ... (آل عمران: 64) .

«فهذه دعوة إلى انقلاب عالمي شامل ، لا غموض فيها ولا إبهام. فإنه قد نادى بملء صوته:

«إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ. ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» .. (يوسف: 40) «فليس لأحد من بني آدم أن ينصب نفسه ملكا على الناس ومسيطرا عليهم ، يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يريد. ولا جرم أن استقلال فرد من أفراد البشر بالأمر والنهي من غير أن يكون له سلطان من الملك الأعلى ، هو تكبر في الأرض على اللّه بغير الحق ، وعتو عن أمره ، وطموح إلى مقام الألوهية «1» . والذين يرضون أمثال هؤلاء الطواغيت لهم ملوكا وأمراء إنما يشركون باللّه ، وذلك مبعث الفساد في الأرض ، ومنه تنفجر ينابيع الشر والطغيان.

«إن دعوة الإسلام إلى التوحيد ، وعبادة اللّه الواحد ، لم تكن قضية كلامية. أو عقيدة لا هوتية فحسب.

شأن غيره من النحل والملل بل الأمر أنها كانت دعوة إلى انقلاب اجتماعي (.)

أرادت في أول ما أرادت أن تقطع دابر الذين تسنموا ذروة الألوهية واستعبدوا الناس بحيلهم ومكايدهم المختلفة. فمنهم من تبوأ مناصب السدنة والكهان ومنهم من استأثر بالملك والإمرة ، وتحكم في رقاب الناس ومنهم من استبد بمنابع الثروة وخيرات الأرض وجعل الناس عالة عليهم يتكففون ولا يجدون ما يتبلغون به .. فأرادت دعوة الإسلام أن تقطع دابرهم جميعا وتستأصل شأفتهم استئصالا .. وهؤلاء تارة تسنموا قمة الألوهية جهرا وعلانية وأرادوا أن يقهروا من حولهم من الناس على أن يذعنوا لأمرهم وينقادوا لجبروتهم مستندين إلى حقوقهم التي ورثوها عن آبائهم أو استأثرت بها الطبقة التي ينتمون إليها فقالوا:

«ما علمت لكم من إله غيري» .. و «أنا ربكم الأعلى» .. و «أنا أحيي وأميت» .. و «من أشد منا قوة؟» ..

إلى غيرها من كلمات الاستكبار ودعاوى الألوهية التي تفوهوا بها وتجاسروا عليها بغيا وعدوانا. وطورا استغلوا جهل الدهماء وسفههم ، فاتخذوا من الأصنام والتماثيل والهياكل آلهة ، يدعون الناس ويريدونهم على أداء مظاهر العبودية أمام هذه التماثيل والهياكل متوارين بأنفسهم من ورائها ، يلعبون بعقول الناس ، ويستعبدونهم لأغراضهم وشهواتهم وهم لا يشعرون «1» ! فيتبين من ذلك أن دعوة الإسلام إلى التوحيد ، وإخلاص العبادة للّه الواحد الأحد ، وتنديده بالكفر والشرك باللّه ، واجتناب الأوثان والطواغيت .. كل ذلك يتنافى ويتعارض مع الحكومة والعاملين عليها المتصرفين في أمورها ، والذين يجدون فيها سندا لهم ، وعونا على قضاء حاجاتهم وأغراضهم .. ومن ثم ترى أنه كلما قام نبي من الأنبياء يجاهر الناس

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام