فهرس الكتاب
الصفحة 299 من 491

لقد بدا من سياق القصة إصرار هذا العدو العنيد على ملاحقة الإنسان في كل حالة ، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة ، وعلى اتباعه في كل ساعة ولحظة: «قالَ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» ..

لقد اختار اللعين أن يزاول هذا الكيد ، وأن ينظر لمزاولته على المدى الطويل .. اختار هذا على أن يضرع إلى اللّه أن يغفر له خطيئته في معصيته عيانا وقد سمع أمره مواجهة! ثم بين أنه سيقعد لهم على طريق اللّه لا يمكنهم من سلوكه وأنه سيأتيهم من كل جهة يصرفهم عن هداه.

وهو إنما يأتيهم من ناحية نقط الضعف فيهم ومداخل الشهوة. ولا عاصم لهم منه إلا بالتقوّي بالإيمان والذكر والتقوّي على إغوائه ووسوسته ، والاستعلاء على الشهوات وإخضاع الهوى لهدى اللّه.

والمعركة مع الشيطان هي المعركة الرئيسية. إنها المعركة مع الهوى باتباع الهدى. والمعركة مع الشهوات باستعلاء الإرادة. والمعركة مع الشر والفساد في الأرض الذي يقود الشيطان أولياءه إليه باتباع شريعة اللّه المصلحة للأرض .. والمعركة في الضمير والمعركة في الحياة الواقعية متصلتان لا منفصلتان. فالشيطان وراءهما جميعا!

والطواغيت التي تقوم في الأرض لتخضع الناس لحاكميتها وشرعها وقيمها وموازينها ، وتستبعد حاكمية اللّه وشرعه والقيم والموازين المنبثقة من دينه .. إنما هي شياطين الإنس التي توحي لها شياطين الجن. والمعركة معها هي المعركة مع الشيطان نفسه. وليست بعيدة عنها.

وهكذا تتركز المعركة الكبرى الطويلة الضارية في المعركة مع الشيطان ذاته. ومع أوليائه. ويشعر المسلم وهو يخوض المعركة مع هواه وشهواته وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم .. يشعر المسلم وهو يخوض هذه المعارك كلها ، أنه إنما يخوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية ، لأن عدوه فيها مصرّ ماض في طريقه .. وأن الجهاد - من ثم - ماض إلى يوم القيامة. في كل صوره ومجالاته.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام