فهرس الكتاب
الصفحة 187 من 491

.. إن مزاولتها عمليا شيء آخر غير إدراكها عقليا. ولا يعرف هذا الذي نقوله إلا من يحاول أن يزاول هذه التجربة واقعيا ..

ولكن المنهج يجند النفس المؤمنة لهذه التجربة الشاقة. لأنها لا بد أن توجد. لا بد أن توجد في الأرض هذه القاعدة. ولا بد أن يقيمها ناس من البشر.

ثم هو يجند النفس كذلك في وجه مشاعرها الفطرية أو الاجتماعية حين يكون المشهود له أو عليه فقيرا ، تشفق النفس من شهادة الحق ضده ، وتود أن تشهد له معاونة لضعفه. أو من يكون فقره مدعاة للشهادة ضده بحكم الرواسب النفسية الاجتماعية كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية. وحين يكون المشهود له أو عليه غنيا تقتضي الأوضاع الاجتماعية مجاملته. أو قد يثير غناه وتبطره النفس ضده فتحاول أن تشهد ضده! وهي مشاعر فطرية أو مقتضيات اجتماعية لها ثقلها حين يواجهها الناس في عالم الواقع .. والمنهج يجند النفس تجاهها كذلك كما جندها تجاه حب الذات ، وحب الوالدين والأقربين.

«إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» ..

وهي محاولة شاقة .. ولا نفتأ نكرر أنها محاولة شاقة .. وأن الإسلام حين دفع نفوس المؤمنين - في عالم الواقع - إلى هذه الذروة ، التي تشهد بها تجارب الواقع التي وعاها التاريخ - كان ينشئ معجزة حقيقية في عالم البشرية. معجزة لا تقع إلا في ظل هذا المنهج الإلهي العظيم القويم.

«فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا» ..

والهوى صنوف شتى ذكر منها بعضها .. حب الذات هوى. وحب الأهل والأقربين هوى. والعطف على الفقير - في موطن الشهادة والحكم - هوى. ومجاملة الغني هوى. ومضارته هوى. والتعصب للعشيرة والقبيلة والأمة والدولة والوطن - في موضع الشهادة والحكم - هوى. وكراهة الأعداء ولو كانوا أعداء الدين - في موطن الشهادة والحكم - هوى .. وأهواء شتى الصنوف والألوان .. كلها مما ينهى اللّه الذين آمنوا عن التأثر بها ، والعدول عن الحق والصدق تحت تأثيرها.

وأخيرا يجيء التهديد والإنذار والوعيد من تحريف الشهادة ، والإعراض عن هذا التوجيه فيها ..

«وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» ..

ويكفي أن يتذكر المؤمن أن اللّه خبير بما يعمل ، ليستشعر ماذا وراء هذا من تهديد خطير ، يرتجف له كيانه ..

فقد كان اللّه يخاطب بهذا القرآن المؤمنين! حدث أن عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - لما بعثه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة ، حسب عهد رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعد فتح خيبر .. أن حاول اليهود رشوته

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام