قيمتها التي لا تقدر ، في عطف اللّه سبحانه ، وتكريمه للجماعة المسلمة وهو يخاطبها بذاته ويرعاها بعينه ويفتيها فيما تستفتي ، وفيما تحتاج إليه حياتها الجديدة.
وقد تناولت الفتوى هنا تصوير الواقع المترسب في المجتمع المسلم من الجاهلية التي التقطه المنهج الرباني منها.
كما تناولت التوجيه المطلوب ، لرفع حياة المجتمع المسلم وتطهيرها من الرواسب: «قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ. وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ..» .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه. فإذا فعل ذلك فلم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً. وإن كانت جميلة وهويها تزوجها ، وأكل مالها.
وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدا حتى تموت. فإذا ماتت ورثها. فحرم اللّه ذلك ونهى عنه .. وقال في قوله: «وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ» كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات. وذلك قوله: «لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ» .. فنهى اللّه عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه فقال: للذكر مثل حظ الأنثيين ، صغيرا أو كبيرا ..
وقال سعيد بن جبير في قوله: «وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ» .. كما إذا كانت ذات جمال وقال نكحتها واستأثرت بها ، كذلك وإذا لم تكن ذات مال ولا جمال فأنكحها واستأثر بها.
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) إِلَى قَوْلِهِ ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) . قَالَتْ هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ ، هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا ، فَأَشْرَكَتْهُ فِى مَالِهِ حَتَّى فِى الْعِذْقِ ، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلاً ، فَيَشْرَكُهُ فِى مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ فَيَعْضُلَهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ . أخرجه البخاري [1]
وعن ابن شهاب قال، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ، قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وَلِيِّها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليُّها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره. فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهنَّ، ويبلغوا بهن أعلى سُنَّتهن من الصداق. وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: ثم
(1) - صحيح البخارى- المكنز (4600 ) -العَذق: النخلة