وليس الأمر في هذا هو أمر «اللغة العربية» . فاللغة العربية كانت قائمة ولكنها لم تصنع هذه المعجزة في أي مكان على ظهر الأرض - قبل الإسلام - ومن ثم سميتها «اللغة الإسلامية» فالقوة الجديدة التي تولدت في اللغة العربية ، وأظهرت هذه المعجزة على يديها ، كانت هي «الإسلام» قطعا! وكذلك اتجهت العبقريات الكامنة في البلاد المفتوحة (المفتوحة للحرية والنور والطلاقة) اتجهت إلى التعبير عن ذاتها - لا بلغاتها الأصلية - ولكن باللغة الجديدة. لغة هذا الدين. اللغة الإسلامية. وأنتجت بهذه اللغة في كل حقل من حقول الثقافة نتاجا تبدو فيه الأصالة ولا يلوح عليه الاحتباس من معاناة التعبير في لغة غريبة - غير اللغة الأم - لقد أصبحت اللغة الإسلامية هي اللغة الأم فعلا لهذه العبقريات .. ذلك أن الرصيد الذي حملته هذه اللغة كان من الضخامة أولا ومن ملاصقة الفطرة ثانيا بحيث كان أقرب إلى النفوس وأعمق فيها ، من ثقافاتها القديمة. ومن لغاتها القديمة أيضا!
لقد كان هذا الرصيد هو رصيد العقيدة والتصور ورصيد البناء الروحي والعقلي والخلقي والاجتماعي الذي أنشأه المنهج الإسلامي في فترة وجيزة. وكان من الضخامة والعمق واللصوق بالفطرة ، بحيث أمد اللغة - لغة الإسلام - بسلطان لا يقاوم. كما أمد الجيوش - جيوش الإسلام - بسلطان لا يقاوم كذلك!
وبغير هذا التفسير يصعب أن نعلل تلك الظاهرة التاريخية الفريدة.