فهرس الكتاب
الصفحة 156 من 491

الأمر الأول بعبادة اللّه .. والنهي الثاني لتحريم عبادة أحد - معه - سواه. نهيا باتا ، شاملا ، لكل أنواع المعبودات التي عرفتها البشرية: «وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» .. شيئا كائنا ما كان ، من مادة أو حيوان أو إنسان أو ملك أو شيطان .. فكلها مما يدخل في مدلول كلمة شي ء ، عند إطلاق التعبير على هذا المنوال

ثم ينطلق إلى الأمر بالإحسان إلى الوالدين - على التخصيص - ولذوي القربي - على التعميم - ومعظم الأوامر تتجه إلى توصية الذرية بالوالدين - وإن كانت لم تغفل توجيه الوالدين إلى الذرية فقد كان اللّه أرحم بالذراري من آبائهم وأمهاتهم في كل حال. والذرية بصفة خاصة أحوج إلى توجيهها للبر بالوالدين. بالجيل المدبر المولي.

إذ الأولاد - في الغالب - يتجهون بكينونتهم كلها ، وبعواطفهم ومشاعرهم واهتماماتهم إلى الجيل الذي يخلفهم لا الجيل الذي خلفهم!

وبينما هم مدفوعون في تيار الحياة إلى الأمام ، غافلون عن التلفت إلى الوراء ، تجيئهم هذه التوجيهات من الرحمن الرحيم ، الذي لا يترك والدا ولا مولودا ، والذي لا ينسى ذرية ولا والدين والذي يعلم عباده الرحمة بعضهم ببعض ، ولو كانوا ذرية أو والدين!

كذلك يلحظ في هذه الآية - وفي كثير غيرها - أن التوجيه إلى البر يبدأ بذوي القربي - قرابة خاصة أو عامة - ثم يمتد منها ويتسع نطاقه من محورها ، إلى بقية المحتاجين إلى الرعاية من الأسرة الإنسانية الكبيرة.

وهذا المنهج يتفق - أولا - مع الفطرة ويسايرها. فعاطفة الرحمة ، ووجدان المشاركة ، يبدآن أولا في البيت.

في الأسرة الصغيرة. وقلما ينبثقان في نفس لم تذق طعم هذه العاطفة ولم تجد مسّ هذا الوجدان في المحضن الأول. والنفس كذلك أميل إلى البدء بالأقربين - فطرة وطبعا - ولا بأس من ذلك ولا ضير ما دامت توجه دائما إلى التوسع في الدائرة من هذه النقطة ومن هذا المحور .. ثم يتفق المنهج - ثانيا - مع طريقة التنظيم الاجتماعي الإسلامية: من جعل الكافل يبدأ في محيط الأسرة ثم ينساح في محيط الجماعة. كي لا يركز عمليات التكافل في يد الأجهزة الحكومية الضخمة - إلا عند ما تعجز الأجهزة الصغيرة المباشرة - فالو حدات المحلية الصغيرة أقدر على تحقيق هذا التكافل: في وقته المناسب وفي سهولة ويسر. وفي تراحم وود يجعل جو الحياة لائقا ببني الإنسان!

وهنا يبدأ بالإحسان إلى الوالدين. ويتوسع منهما إلى ذوي القربي. ومنهم إلى اليتامى والمساكين - ولو أنهم قد يكونون أبعد مكانا من الجار. ذلك أنهم أشد حاجة وأولى بالرعاية - ثم الجار ذو القرابة. فالجار الأجنبي - مقدمين على الصاحب المرافق - لأن الجار قربه دائم ، أما الصاحب فلقاؤه على فترات - ثم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام