فهرس الكتاب
الصفحة 124 من 491

وتكشف الآية الواحدة القصيرة عن حقيقة ما يريده اللّه للناس بمنهجه وطريقته ، وحقيقة ما يريده بهم الذين يتبعون الشهوات ، ويحيدون عن منهج اللّه - وكل من يحيد عن منهج اللّه إنما يتبع الشهوات - فليس هنالك إلا منهج واحد هو الجد والاستقامة والالتزام ، وكل ما عداه إن هو إلا هوى يتبع ، وشهوة تطاع ، وانحراف وفسوق وضلال.

فماذا يريد اللّه بالناس ، حين يبين لهم منهجه ، ويشرع لهم سنته؟ إنه يريد أن يتوب عليهم. يريد أن يهديهم.

يريد أن يجنبهم المزالق. يريد أن يعينهم على التسامي في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة.

وماذا يريد الذين يتبعون الشهوات ، ويزينون للناس منابع ومذاهب لم يأذن بها اللّه ، ولم يشرعها لعباده؟

إنهم يريدون لهم أن يميلوا ميلا عظيما عن المنهج الراشد ، والمرتقى الصاعد والطريق المستقيم.

وفي هذا الميدان الخاص الذي تواجهه الآيات السابقة: ميدان تنظيم الأسرة وتطهير المجتمع وتحديد الصورة النظيفة الوحيدة ، التي يحب اللّه أن يلتقي عليها الرجال والنساء وتحريم ما عداها من الصور ، وتبشيعها وتقبيحها في القلوب والعيون .. في هذا الميدان الخاص ما الذي يريده اللّه وما الذي يريده الذين يتبعون الشهوات؟

فأما ما يريده اللّه فقد بينته الآيات السابقة في السورة. وفيها إرادة التنظيم ، وإرادة التطهير ، وإرادة التيسير ، وإرادة الخير بالجماعة المسلمة على كل حال.

وأما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال: ديني ، أو أخلاقي ، أو

واللمسة الأخيرة في التعقيب تتولى بيان رحمة اللّه بضعف الإنسان ، فيما يشرعه له من منهج وأحكام.

والتخفيف عنه ممن يعلم ضعفه ، ومراعاة اليسر فيما يشرع له ، ونفي الحرج والمشقة والضرر والضرار.

«يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» ..

فأما في هذا المجال الذي تستهدفه الآيات السابقة ، وما فيها من تشريعات وأحكام وتوجيهات ، فإرادة التخفيف واضحة تتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرة ، وتنظيم الاستجابة لها وتصريف طاقتها في المجال الطيب المأمون المثمر ، وفي الجو الطاهر النظيف الرفيع دون أن يكلف اللّه عباده عنتا في كبتها حتى المشقة والفتنة ودون أن يطلقهم كذلك ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد ولا قيد.

وأما في المجال العام الذي يمثله المنهج الإلهي لحياة البشر كلها فإرادة التخفيف تبدو كذلك واضحة بمراعاة فطرة الإنسان ، وطاقته ، وحاجاته الحقيقية وإطلاق كل طاقاته البانية. ووضع السياج الذي يقيها التبدد وسوء الاستعمال! وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج اللّه - وبخاصة في علاقات الجنسين - شاق مجهد. والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح! وهذا وهم كبير ... فإطلاق الشهوات من كل قيد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام