فهرس الكتاب
الصفحة 83 من 112

[86] والنار وأعد فيهما الثواب والعقاب، وتفاصيل أحوالهما، وطريق الوصول الى الاول، والاحتراز عن الثانى، مما لا يستقل به العقل.

وكذا خلق الأجسام النافعة والضارة، ولم يجعل للعقول والحواس الاستقلال بمعرفتهما. وكذا جعل القضايا منها ما هى ممكنات لا طريق الى الجزم بأحد جانبيه. ومنها ما هى واجبات أو ممتنعات لا يظهر للعقل الا بعد نظر دائم وبحث كامل، بحيث لو اشتغل الانسان به، لتعطلت أكثر مصالحه، فكان من فضل الله تعالى ورحمته ارسال الرسل لبيان ذلك، كما قال تعالى: «وما أرْسلْناك إِلّا رحْمةً لِلْعالمِين» [1] (وأيدهم) أى الأنبياء (بالمعجزات الناقضات للعادات) جمع معجزة وهى أمر يظهر بخلاف العادة على يدى مدعى النبوة عند تحدى المنكرين، على وجه يعجز [2] المنكرين عن الاتيان بمثله. وذلك لأنه لولا التأييد بالمعجزة، لما وجب قبول قوله، ولما بان الصادق فى دعوى الرسالة عن الكاذب. وعند ظهور المعجزة يحصل الجزم بصدقه بطريق جرى العادة، بأن الله تعالى يخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة، وان كان عدم خلق العلم ممكنا فى نفسه. وذلك كما اذا ادعى أحد بمحضر جماعة [3] : أنه رسول هذا الملك إليهم، ثم قال للملك: ان كنت صادقا فخالف عادتك، وقم من مكانك. ثلاث مرات. ففعل، يحصل للجماعة علم ضرورى عادى بصدقه فى مقالته، وان كان الكذب ممكنا فى نفسه. فان الامكان الذاتى بمعنى التجويز العقلى لا ينافى حصول العلم القطعى، كعلمنا بأن «جبل أحد» لم ينقلب ذهبا، مع امكانه فى نفسه. فكذا هاهنا يحصل العلم بصدقه، بموجب العادة، لأنها أحد طرق العلم القطعى [4] كالحس.

ولا يقدح فى ذلك العلم: احتمال كون المعجزة من غير الله أو كونها لا لغرض التصديق، أو كونها لتصديق الكاذب، الى غير ذلك من الاحتمالات، كما لا يقدح فى العلم الضرورى الحسى بحرارة

(1) الله تعالى: خ الأنبياء 107

(2) يعجزهم: خ.

(3) من الجماعة: ط.

(4) القطعى: ط.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام