فهرس الكتاب
الصفحة 99 من 240

مر بملأ من الأوس والخزرج،فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة،فبعث رجلا معه،وأمره أن يجلس بينهم،ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم «بعاث» !و تلك الحروب.ففعل.فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم،وغضب بعضهم على بعض،وتثاوروا،ونادوا بشعارهم.وطلبوا أسلحتهم.

وتوعدوا إلى «الحرّة» ..فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم،فجعل يسكنهم،ويقول: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» وتلا عليهم هذه الآية،فندموا على ما كان منهم،واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي اللّه عنهم.

وكذلك بين اللّه لهم فاهتدوا،وحق فيهم قول اللّه سبحانه في التعقيب في الآية: « كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» .

فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل اللّه بين المتحابين فيه،القائمين على منهجه،لقيادة البشرية في طريقه..هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة،كلما تجمعت على منهج اللّه واعتصمت بحبله.وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب.كادت ترد المسلمين الأولين كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض.وتقطع بينهم حبل اللّه المتين،الذي يتآخون فيه مجتمعين.وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق.

على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة.فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة،وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل.والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب،ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم،ومن التفرق كما تفرقوا..هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة،ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار..وهو دأب يهود في كل زمان.وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم،في كل مكان! [1]

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 442)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام