وقال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63) سورة الأنفال
ولقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها إلا اللّه والتي لا تصنعها إلا هذه العقيدة فاستحالت هذه القلوب النافرة،وهذه الطباع الشموس،إلى هذه الكتلة المتراصة المتآخية الذلول بعضها لبعض،المحب بعضها لبعض،المتآلف بعضها مع بعض،بهذا المستوي الذي لم يعرفه التاريخ والذي تتمثل فيه حياة الجنة وسمتها البارزة - أو يمهد لحياة الجنة وسمتها البارزة: «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» .
إن هذه العقيدة عجيبة فعلا.إنها حين تخالط القلوب،تستحيل إلى مزاج من الحب والألفة ومودات القلوب،التي تلين جاسيها،وترقق حواشيها،وتندي جفافها،وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق.فإذا نظرة العين،ولمسة اليد،ونطق الجارحة،وخفقة القلب،ترانيم من التعارف والتعاطف،والولاء والتناصر،والسماحة والهوادة،لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب! وهذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في اللّه وتوقع على أوتارها ألحان الخلوص له والالتقاء عليه ،فإذا استجابت وقعت تلك المعجزة التي لا يدري سرها إلا اللّه،ولا يقدر عليها إلا اللّه.
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ،أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ جَمَعَ قَوْمَهُ فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ الأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ،وَأَبْنَاءَكُمْ أُعَلِّمْكُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي صَلَّى لَنَا بِالْمَدِينَةِ فَاجْتَمَعُوا،وَجَمَعُوا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ،فَتَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ،فَأَحْصَى الْوُضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ حَتَّى لَمَّا أَنْ فَاءَ الْفَيْءُ،وَانْكَسَرَ الظِّلُّ قَامَ،فَأَذَّنَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ،وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ،وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الْوِلْدَانِ،ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ،فَتَقَدَّمَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ،فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ يُسِرُّهُمَا،ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ،ثُمَّ قَالَ:سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،وَاسْتَوَى قَائِمًا،ثُمَّ كَبَّرَ،وَخَرَّ سَاجِدًا،ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ،ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ،ثُمَّ كَبَّرَ فَانْتَهَضَ قَائِمًا،فَكَانَ تَكْبِيرُهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ،وَكَبَّرَ حِينَ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ،فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى