فهرس الكتاب
الصفحة 98 من 240

هذه الأخوة المعتصمة بحبل اللّه نعمة يمتن اللّه بها على الجماعة المسلمة الأولى.وهي نعمة يهبها اللّه لمن يحبهم من عباده دائما.وهو هنا يذكرهم هذه النعمة.يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية «أَعْداءً» ..وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد.وهما الحيان العربيان في يثرب.يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا.ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه،ولا تعيش إلا معه.فألف اللّه بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام..وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة.وما كان إلا حبل اللّه الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة اللّه إخوانا.

ما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في اللّه،تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية،والثارات القبلية،والأطماع الشخصية والرايات العنصرية،ويتجمع الصف تحت لواء اللّه الكبير المتعال.. «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ،إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً،فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ،فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» ..

ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها،إنقاذهم من النار بهدايتهم إلى الاعتصام بحبل اللّه - الركيزة الأولى - وبالتأليف بين قلوبهم،فأصبحوا بنعمة اللّه إخوانا - الركيزة الثانية: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» .

والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط: «الْقَلْبِ» ..فلا يقول:فألف بينكم.إنما ينفذ إلى المكمن العميق: «فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد اللّه وعلى عهده وميثاقه.كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه.بل مشهدا حيا متحركا تتحرك معه القلوب: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» ..وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة،إذا بالقلوب ترى يد اللّه،وهي تدرك وتنقذ! وحبل اللّه وهو يمتد ويعصم.وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة،وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال! وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج.وذلك أن رجلا من اليهود

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام