ومن قبل قرر هذه القاعدة في العقاب ردا على قولهم: «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً» ..فقال: «بَلى ! مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ..
إنها قاعدة واحدة بطرفيها في العقوبة والمثوبة.طرفيها المتقابلين: «مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» ..فهو حبيس هذه الخطيئة المحيطة،في معزل عن كل شيء وعن كل شعور وعن كل وجهة إلا وجهة الخطيئة..و «مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ» ..فأخلص ذاته كلها للّه،ووجه مشاعره كلها إليه،وخلص للّه في مقابل خلوص الآخر للخطيئة.. «مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» ..هنا تبرز سمة الإسلام الأولى:إسلام الوجه - والوجه رمز على الكل - ولفظ أسلم يعني الاستسلام والتسليم.الاستسلام المعنوي والتسليم العملي.ومع هذا فلا بد من الدليل الظاهر على هذا الاستسلام: «وَهُوَ مُحْسِنٌ» ..فسمة الإسلام هي الوحدة بين الشعور والسلوك،بين العقيدة والعمل،بين الإيمان القلبي والإحسان العملي..بذلك تستحيل العقيدة منهجا للحياة كلها وبذلك تتوحد الشخصية الإنسانية بكل نشاطها واتجاهاتها وبذلك يستحق المؤمن هذا العطاء كله: «فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ..
الأجر المضمون لا يضيع عند ربهم..والأمن الموفور لا يساوره خوف،والسرور الفائض لا يمسه حزن..وتلك هي القاعدة العامة التي يستوي عندها الناس جميعا.فلا محسوبية عند اللّه سبحانه ولا محاباة! [1]
ويترتب على البرهنةِ والتوقيفيةِ ما يلي:
ا-تحديدُ مصادر العقيدة بالكتابِ والسنةِ الصحيحةِ.فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله،وما صح من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،فليست محلاً للاجتهاد؛ لأن مصادرها توقيفية.
وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم،فلابد أن تكون مصادرها مجزوم بصحتها،وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 103)