وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (115) سورة التوبة.
إن اللّه لا يحاسب الناس إلا على ما بين لهم أن يتقوه ويحذروه ولا يأتوه.وليس من شأنه أن يذهب بهدى قوم بعد إذ هداهم ويكلهم إلى الضلال لمجرد الفعل،ما لم يكن هذا الفعل مما نهاهم عنه قبلا..ذلك أن الإنسان قاصر واللّه هو العليم بكل شيء.ومنه البيان والتعليم.ولقد جعل اللّه هذا الدين يسرا لا عسرا،فبين ما نهى عنه بيانا واضحا،كما بين ما أمر به بيانا واضحا.وسكت عن أشياء لم يبين فيها بيانا - لا عن نسيان ولكن عن حكمة وتيسير - ونهى عن السؤال عما سكت عنه،لئلا ينتهي السؤال إلى التشديد.ومن ثم فليس لأحد أن يحرم شيئا من المسكوت عنه،ولا أن ينهى عما لم يبينه اللّه.تحقيقا لرحمة اللّه بالعباد.. [1]
كما أنَّ القرآنَ الكريمَ حين يدعوا الناس إلى الإيمانِ بمفرداتِ العقيدةِ يقيمُ على ذلك الأدلةَ الواضحةَ من آياتِ الأنفس ِوالآفاقِ،فلا يدعوهم إلى التقليدِ الأعمَى أو الإتباعِ على غيرِ هدًى،بل إنه يأمرهُم أن يطلبوا البرهانَ والدليل َقال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (111) سورة البقرة.
وهذه حكاية قوليهم مزدوجة.وإلا فقد كانت اليهود تقول:لن يدخل الجنة إلا من كان هودا - أي من يهود - وكانت النصارى تقول:لن يدخل الجنة إلا من كان من النصارى
وهذه القولة كتلك،لا تستند إلى دليل،سوى الادعاء العريض! ومن ثم يلقن اللّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يجبههم بالتحدي وأن يطالبهم بالدليل: «قُلْ:هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
وهنا يقرر قاعدة من قواعد التصور الإسلامي في ترتيب الجزاء على العمل بلا محاباة لأمة ولا لطائفة ولا لفرد.إنما هو الإسلام والإحسان،لا الاسم والعنوان: «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ،فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ،وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ..
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1722)