وكما أنَّ العقيدةَ الإسلاميةَ واضحةٌ ،فهي كذلك لا تدعوا إلى الاتباعِ الأعمَى،بل على العكسِ فإنها تدعوا إلى التبصُّر والتعقُّلِ،قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.
فنحن على هدى من اللّه ونور.نعرف طريقنا جيدا،ونسير فيها على بصر وإدراك ومعرفة،لا نخبط ولا نتحسس،ولا نحدس.فهو اليقين البصير المستنير.ننزه اللّه - سبحانه - عما لا يليق بألوهيته،وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به: «وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ..
لا ظاهر الشرك ولا خافيه.هذه طريقي فمن شاء فليتابع،ومن لم يشأ فأنا سائر في طريقي المستقيم.
وأصحاب الدعوة إلى اللّه لا بد لهم من هذا التميز،لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم،يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم،ولا يسلك مسلكهم،ولا يدين لقيادتهم،ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم،وهم متميعون في المجتمع الجاهلي.فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة،وعنوانه القيادة الإسلامية..لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضا! إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي،وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية،يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم،وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم،وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين..إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس..وجاهلية القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصيلة،وفي ملامحها المميزة عن كل جاهلية أخرى واجهتها الدعوة الإسلامية على مدار التاريخ! والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية،والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال