والارتياد.فتجيء هذه الفروض مضحكة في أرفع مستوياتها.مضحكة إلى حد يحير الإنسان:كيف يصدر هذا عن «فيلسوف» ! وما ذلك إلا لأن أصحاب هذه الفلسفات حاولوا أن يخرجوا بالإدراك البشري عن طبيعة خلقته،وأن يتجاوزوا به نطاقه المقدور له! فلم ينتهوا إلى شيء يطمأن إليه بل لم يصلوا إلى شيء يمكن أن يحترمه من يرى التصور الإسلامي ويعيش في ظله.وعصم الإسلام أهله المؤمنين بحقيقته أن يضربوا في هذا التيه بلا دليل،وأن يحاولوا هذه المحاولة الفاشلة،الخاطئة المنهج ابتداء.
فلما أن أراد بعض متفلسفتهم متأثرين بأصداء الفلسفة الإغريقية - على وجه خاص - أن يتطاولوا إلى ذلك المرتقى،باءوا بالتعقيد والتخليط،كما باء أساتذتهم الإغريق! ودسوا في التفكير الإسلامي ما ليس من طبيعته،وفي التصور الإسلامي ما ليس من حقيقته..وذلك هو المصير المحتوم لكل محاولة للعقل البشري وراء مجاله،وفوق طبيعة خلقته وتكوينه..
والنظرية الإسلامية:أن الخلق غير الخالق.وأن الخالق ليس كمثله شيء..ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة: «وحدة الوجود» على ما يفهمه غير المسلم من هذا الاصطلاح - أي بمعنى أن الوجود وخالقه وحدة واحدة - أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق،أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده..أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس..والوجود وحدة في نظر المسلم على معنى آخر:وحدة صدوره عن الإرادة الواحدة الخالقة،ووحدة ناموسه الذي يسير به،ووحدة تكوينه وتناسقه واتجاهه إلى ربه في عبادة وخشوع: «بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» ..فلا ضرورة لتصور أن له من بين ما في السماوات والأرض ولدا..فالكل من خلقه بدرجة واحدة،وبأداة واحدة: «بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ:كُنْ فَيَكُونُ» ..وتوجه الإرادة يتم بكيفية غير معلومة للإدراك البشري،لأنها فوق طاقة الإدراك البشري.فمن العبث إنفاق الطاقة في اكتناه هذا السر،والخبط في التيه بلا دليل! [1]
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 105)