قال تعالى: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} (116) سورة البقرة.
وهذه المقولة الفاسدة: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» ..ليست مقولة النصارى وحدهم في المسيح،فهي كذلك مقولة اليهود في العزير.كما كانت مقولة المشركين في الملائكة.ولم تفصل الآية هنا هذه المقولات،لأن السياق سياق إجمال للفرق الثلاث التي كانت تناهض الإسلام يومئذ في الجزيرة - ومن عجب أنها لا تزال هي التي تناهضه اليوم تماما،ممثلة في الصهيونية العالمية والصليبية العالمية،والشيوعية العالمية،وهي أشد كفرا من المشركين في ذلك الحين! - ومن هذا الإدماج تسقط دعوى اليهود والنصارى في أنهم وحدهم المهتدون وها هم أولاء يستوون مع المشركين! وقبل أن يمضي إلى الجوانب الفاسدة الأخرى من تصورهم لشأن اللّه - سبحانه - يبادر بتنزيه اللّه عن هذا التصور،وبيان حقيقة الصلة بينه وبين خلقه جميعا: «سُبْحانَهُ! بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ.بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ.فَيَكُونُ» ..
هنا نصل إلى فكرة الإسلام التجريدية الكاملة عن اللّه سبحانه،وعن نوع العلاقة بين الخالق وخلقه،وعن طريقة صدور الخلق عن الخالق،وهي أرفع وأوضح تصور عن هذه الحقائق جميعا..لقد صدر الكون عن خالقه،عن طريق توجه الإرادة المطلقة القادرة: «كُنْ،فَيَكُونُ» ..فتوجه الإرادة إلى خلق كائن ما كفيل وحده بوجود هذا الكائن،على الصورة المقدرة له،بدون وسيط من قوة أو مادة..أما كيف تتصل هذه الإرادة التي لا نعرف كنهها،بذلك الكائن المراد صدوره عنها،فذلك هو السر الذي لم يكشف للإدراك البشري عنه،لأن الطاقة البشرية غير مهيأة لإدراكه.وهي غير مهيأة لإدراكه لأنه لا يلزمها في وظيفتها التي خلقت لها وهي خلافة الأرض وعمارتها..وبقدر ما وهب اللّه للإنسان من القدرة على كشف قوانين الكون التي تفيده في مهمته،وسخر له الانتفاع بها،بقدر ما زوى عنه الأسرار الأخرى التي لا علاقة لها بخلافته الكبرى..ولقد ضربت الفلسفات في تيه لا منارة فيه،وهي تحاول كشف هذه الأسرار وتفترض فروضا تنبع من الإدراك البشري الذي لم يهيأ لهذا المجال،ولم يزود أصلا بأدوات المعرفة فيه