وثباتُ العقيدة يجعلُها أصلاً يرجعُ الناس إليهِ حاكمُهم ومحكومُهم على السواء،والناسُ يستريحونَ ويسعدونَ،لأنَّ الحاكمَ لا يستطيعُ أن يظلمَ الناس،ويقولَ قبل أن يظلمَهم:غيرتُ القانونَ،ولا يستطيعُ المحكومونَ أن يقولوا للحاكمِ:نحن لا نعرفُ القانونَ لأنهُ جديدٌ.
ولكنه إذا كانَ ثابتاً،فإنَّ الناسَ يتربونَ منذُ نعومةِ أظفارهِم على معرفتهِ،ويكونُ النظامُ حيًّا في نفوسهِم،ويعيشُ في حسِّهم.فلا يستطيعُ الحاكمُ في الدِّينِ الربانيِّ أن ْيدعيَ أنَّ الظروفَ طارئةٌ،ولا أنْ يقولَ:أحكامٌ عسكريةٌ يوقفُ بها تطبيقَ دينِ اللهِ،وتحتَ هذه الأسماءِ ووراءَ هذه الشعاراتِ تسفكُ الدماءُ،وتداسُ الكرامةُ،وتنتهكُ الحرمةُ،وهذا هو شأنُ جميعِ الأنظمة ِالوضعيةِ الأرضيةِ،أو بتعبيرٍ أدقَّ (الأديانُ الأرضيةُ) التي اخترعَها البشرُ منْ عندِ أنفسهِم،وأبرزُ ما تكونُ هذه الظاهرةُ في الأنظمةِ العسكريةِ والانقلاباتِ الثوريةِ،ففي كلِّ انقلابٍ قانونٌ جديدٌ،وفي كلِّ مرةٍ تٌنصَبُ المشانقُ وتعلَّقُ على أعوادٍ في الأسواقِ،ودعكَ عنِ التحقيقاتِ مع النساءِ في الظلامِ،والناسُ الذين يدفَنونَ أحياءً،أو يوضعونَ في براميلِ النيتريكِ،حتى يذوبوا ثم يطالَبُُ أهلُهم بهِم لأنهم فرُّوا منَ السجنِ!!
وفي كلِّ مرةٍ يغيَّرُ فيها النظامُ تفقِدُ البلدُ أعزَّ أبنائهِا،وأقدرَ كفاءاتِها،وأعلى طاقاتِها،وأثمنَ ما لديها ،وهمُ العيناتُ من الشبابِ والمفكرينَ والقادةِ وغيرهِم. [1]
وثباتُ العقيدةِ الربانيةِ يجعلُ الناسَ جميعاً تحت ظلِّ الدستورِ والحكمِ،وليسَ هنالك حاكمٌ فوقَ القانونِ ومحكومٌ تحتَ القانونِ،ونظامٌ يسري على الحاكمِ،ونظامٌ يسري على المحكومِ.
فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي... { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } (الأنبياء:23)
متى كان المسيطر على الوجود كله يسأل ومن ذا الذي يسأله وهو القاهر فوق عباده،وإرادته طليقة لا يحدها قيد من إرادة أخرى،ولا حتى من الناموس الذي ترتضيه هي وتتخذه حاكما لنظام الوجود؟
والسؤال والحساب إنما يكونان بناء على حدود ترسم ومقياس يوضع.والإرادة الطليقة هي التي تضع الحدود والمقاييس،ولا تتقيد بما تضع للكون من الحدود والمقاييس إلا كما تريد.والخلق مأخوذون بما تضع لهم من تلك الحدود فهم يسألون.
(1) - العقيدة وأثرها في بناء الجيل، لعبد الله عزام رحمه الله، (1/44-52) بتصرف.