فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 240

يصبح هؤلاء الآدميون شر البهيمة التي تدب على الأرض! وهؤلاء هم الذين كفروا حتى بلغ بهم الكفر ألا يصير حالهم إلى الإيمان! وهم الذين ينقضون عهدهم في كل مرة ولا يتقون اللّه في مرة!

فهؤلاء الذين كفروا ولجّوا في الكفر «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» ..ففسدت بذلك فطرتهم،وباتوا بذلك شر الدواب عند اللّه.هؤلاء الذين ينقضون كل عهد أبرموه،فتجردوا بذلك من خصيصة إنسانية أخرى - خصيصة التقيد بالعهد - وانطلقوا من كل قيد،كما تنطلق البهيمة،لولا أن البهيمة مقيدة بضوابط فطرتها،وهؤلاء لا ضابط لهم.فهم بذلك شر الدواب عند اللّه! [1]

وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (22) سورة الأنفال

إنهم لدواب بهذا الظل.بل هم شر الدواب! فالبهائم لها آذان ولكنها لا تسمع إلا كلمات مبهمة ولها لسان ولكنها لا تنطق أصواتا مفهومة.إلا أن البهائم مهتدية بفطرتها فيما يتعلق بشؤون حياتها الضرورية.

أما هؤلاء الدواب فهم موكولون إلى إدراكهم الذي لا ينتفعون به.فهم شر الدواب قطعا! «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» ..

«وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ» ..أي لأسمع قلوبهم وشرحها لما تسمعه آذانهم..ولكنه - سبحانه - لم يعلم فيهم خيرا ولا رغبة في الهدى فقد أفسدوا استعداداتهم الفطرية للتلقي والاستجابة فلم يفتح اللّه عليهم ما أغلقوا هم من قلوبهم،وما أفسدوا هم من فطرتهم.ولو جعلهم اللّه يدركون بعقولهم حقيقة ما يدعون إليه،ما فتحوا قلوبهم له ولا استجابوا لما فهموا.. «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ» ...لأن العقل قد يدرك،ولكن القلب المطموس لا يستجيب.فحتى لو أسمعهم اللّه سماع الفهم لتولوا هم عن الاستجابة.والاستجابة هي السماع الصحيح.وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب! [2]

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1541)

(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1493)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام