وكذلك سترُ العوراتِ وتغطيةُ اللحم باللباسِ -خاصةً من قبلِ النساء- كانَ أمراً طبيعياً وثابتاً في الأخلاقِ والأديانِ،ويبقَى ثابتاً إلى يوم الدينِ،أمَّا في الأخلاقِ المتطورةِ فلقدْ كانَ سترُ العورة ِمستحسناً في عصرٍ منَ العصورِ،ثم جاءَ القرنُ العشرينُ ورأى أنَّ سترَ العورةِ شيءٌ مستقبحٌ،وأصبحَ أصحابَهُ ينادونَ بكشفِ العورة ِ في أجهزةِ إعلامهِم وأبواقهِم التي تفوحُ منها رائحةُ الخبثِ والكيدِ والغدرِ بهذا الكائن ِالإنسانيِّ الذي يريدونَ تحطيمَهُ.
وثباتُ العقيدةِ يضعُ ميزاناً ثابتاً يقيسُ الناسَ،فالميزانُ واحدٌ،الكيلو في هذا الميزان تساوي (1000) غم،فإذا جئنا نزنُ شخصاً فإننا نضعُه في هذا الميزانِ الواحدِ،ونضعُ مقابلَهُ كيلواتٍ حتى نعرفَ وزنهُ،وهنا يكونُ الحكم صحيحاً على وزن جميع الناسِ،لأن َّالوزنَ واحدٌ والعيارَ واحدٌ،فإذا جاءَ قومٌ وغيَّروا الميزانَ،وقالوا عن الكيلو إنها قنطارٌ،فإنَّ الشخصَ الذي يزنُ سبعينَ كيلو غراماً في الميزانِ الأولِ هو نفسه يزنُ سبعين قنطاراً في الميزانِ الثاني،والشخصُ هو الشخصُ.
وعندما يختلفُ الميزانُ لا يمكنُ أن يكونَ الحكمُ صحيحاً،ولذا فإنَّ الرجل عندَ الناس يكونُ مبجلاً مطاعاً محترماً لأنه ثقيلٌ في ميزانهِم،ولكنْ عندما نضعُه في ميزانِ اللهِ الثابتِ فإنه قدْ لا يزنُ شيئا،فمثلاً الوليدُ بنُ المغيرةِ كانتْ قريشٌ تعتبرهُ زعيماً وتقول: { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } . (الزخرف:31)
ولكنَّ اللهَ تعالى يقول عنهُ وعن أمثالِه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) } [القلم/10-15] .
ويقول: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . (الأنفال:55) .
فقريشٌ لا تقطعُ أمراً إلا بعدَ استشارتهِ واستنصاحهِ،واللهُ يسميهِ دابةً،والمؤمنونَ يعتبرونَهُ دابَّةً،بلْ أقلَّ منَ الدابَّةِ:قال تعالى عنه وعن أمثاله: { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } . (الأعراف:179) .
ولفظ «الدواب» وإن كان يشمل كل ما دب على الأرض،فيشمل الأناسي فيما يشمل،إلا أنه - كما أسلفنا - يلقي ظلا خاصا حين يطلق على الآدميين..ظل البهيمة..ثم