فهرس الكتاب
الصفحة 178 من 240

أمامه متاعب الدنيا وآلامها جميعاً.ويطمئن إليه ضمير المؤمن،ولو خرج من الدنيا بغير نصيب.

وهو الأعلى شريعة ونظاماً.وحين يراجع المؤمن كل ما عرفته البشرية قديماً وحديثاً،ويقيسه إلى شريعته ونظامه،فسيراه كله أشبه شيء بمحاولات الأطفال وخبط العميان،إلى جانب الشريعة الناضجة والنظام الكامل.وسينظر إلى البشرية الضالة من عل في عطف وإشفاق على بؤسها وشقوتها،ولا يجد في نفسه إلا الاستعلاء على الشقوة والضلال.

وهكذا كان المسلمون الأوائل يقفون أمام المظاهر الجوفاء،والقوى المتنفجة،والاعتبارات التي كانت تتعبد الناس في الجاهلية..والجاهلية ليست فترة من الزمان،إنما هي حالة من الحالات تتكرر كلما انحرف المجتمع عن نهج الإسلام،في الماضي والحاضر والمستقبل على السواء..

وهكذا وقف المغيرة ابن شعبة أمام صور الجاهلية وأوضاعها وقيمها وتصوراتها في معسكر رستم قائد الفرس المشهور:

"فعن أبي عثمان النهدي.قال:لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس حبسوه واستأذنوا رستم في إجازته،ولم يغيروا شيئاً من شارتهم،تقوية لتهاونهم؛فأقبل المغيرة بن شعبة،والقوم في زيهم،عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب،وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم؛حتى يمشي عليهم غلوة؛وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي؛حتى جلس معه على سريره وووسادته؛فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوا ومغثوه.فقال:كانت تبلغنا عنكم الأحلام؛ولا أرى قوماً أسفه منكم! إنا معشر العرب سواء؛ولا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه؛فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى؛وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض،وأن هذا الأمر فيكم فلا نصفه،نصنعه،ولم آتكم،ولكن دعوتموني اليوم،علمت أن أمركم لا يستقم فيكم مضمحل،وأنكم مغلوبون؛وأن ملكاً لا يقول على هذه السيرة،ولا على هذه العقول."

فقال السفلة:صدق والله العربي،وقالت الدهاقين:والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه؛قاتل الله أولينا،ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة ! فمازحه

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام