يجيء هذا التوجيه.ليواجه الوهن كما يواجه الحزن.هما الشعوران المباشران اللذان يساوران النفس في هذا المقام..يواجههما بالاستعلاء لا بمجرد الصبر والثبات،والاستعلاء الذي ينظر من عل إلى القوى الطاغية،والقيم السائدة،والتصورات الشائعة،والاعتبارات والأوضاع والتقاليد والعادات،والجماهير المتجمعة على الضلال.
إن المؤمن هو الأعلى..الأعلى سنداً ومصدراً..فما تكون الأرض كلها ؟ وما يكون الناس ؟ وما تكون القيم السائدة في الأرض ؟ والاعتبارات الشائعة عند الناس ؟ وهو من الله يتلقى،وإلى الله يرجع،وعلى منهجه يسير ؟
وهو الأعلى إدراكاً وتصوراً لحقيقة الوجود..فالإيمان بالله الواحد في هذه الصورة التي جاء بها الإسلام هو أكمل صورة للمعرفة بالحقيقة الكبرى.وحين تقاس هذه الصورة إلى ذلك الركام من التصورات والعقائد والمذاهب،سواء ما جاءت به الفلسفات الكبرى قديماً وحديثاً،وما انتهت إليه العقائد الوثنية والكتابية المحرفة،وما اعتفسته المذاهب المادية الكالحة..حين تقاس هذه الصورة المشرقة الواضحة الجميلة المتناسقة،إلى ذلك الركام وهذه التعسفات،تتجلى عظمة العقيدة الإسلامية كما لم تتجل قط.وما من شك ان الذين يعرفون هذه المعرفة هم الأعلون على كل من هناك [1] .
وهو الأعلى تصوراً للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والأحداث والأشياء والأشخاص.فالعقيدة المنبثقة عن المعرفة بالله،بصفاته كما جاء بها الإسلام،ومن المعرفة بحقائق القيم في الوجود الكبير لا في ميدان الأرض الصغير.هذه العقيدة من شأنها أن تمنح المؤمن تصوراً للقيم أعلى وأضبط من تلك الموازين المختلفة في أيدي البشر،الذين لا يدركون إلا ما تحت أقدامهم.ولا يثبتون على ميزان واحد في الجيل الواحد.بل في الأمة الواحدة.بل في النفس الواحدة من حين إلى حين.
وهو الأعلى ضميراً وشعوراً،وخلقاً وسلوكاً..فإن عقيدته في الله ذي الأسماء الحسنى والصفات المثلى،هي بذاتها موحية بالرفعة والنظافة والطهارة والعفة والتقوى،والعمل الصالح والخلافة الراشدة.فضلاً على إيحاء العقيدة عن الجزاء في الآخرة.الجزاء الذي تهون
(1) - يراجع فصل"تيه وركام"في كتاب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته . ...