والسعادة في الدارين؛فالأمن قرين الإيمان،وإذا فقد الإيمان فقد الأمن،قال ـ تعالى ـ: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) [الأنعام:82] .
فأهل التقوى والإيمان لهم الأمن التام،والاهتداء التام في العاجل والآجل،وأهل الشرك والمعصية هم أهل الخوف وأولى الناس به،فهم مهددون بالعقوبات والنقمات في سائر الأوقات.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ مَنْ هُوَ الحَقِيقُ بِالأَمْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَقَالَ:الذِينَ أَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً،وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ ( يَلْبِسُوا ) بِظُلْمٍ،وَلاَ كُفْرٍ،وَلاَ شِرْكٍ بِاللهِ،فَهَؤُلاءِ هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخُلُودِ فِي العَذَابِ،وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. [1]
وإذا كان الشرك باللّه مصدر المخاوف والأوهام،فلا غرابة في أن المشركين يعيشون دائما في قلق واضطراب وخوف من مغيبات القدر والمستقبل.أما المؤمنون الموحدون فلهم الأمن المطلق بشرط وجود الوصفين:وهما الإيمان،وهو كمال القوة النظرية،وعدم الإيمان بالظلم،وهو كمال القوة العملية.والمراد من الظلم هنا:هو الشرك لأنه الظلم الأكبر،ولقوله تعالى حكاية عن لقمان،إذ قال لابنه وهو يعظه:يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ،إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ والمراد هنا:الذين آمنوا باللّه،ولم يثبتوا للّه شريكا في العبادة. [2]
إن الحق سبحانه وتعالى هو الذي سخر لك الكائنات،فعليك أن تذكر اسم الحق لتنفعل لك تلك الكائنات،ومن يغفل عن ذلك فقد لبَّس وخلط إيمانه بظلم.وإذا ما رأيت ثمرة من ثمارك إياك أن تقول كما قال قارون: أُوتِيتُهُ عَلَىا عِلْمٍ عِندِي { بل اذكر وقل:"ما شاء الله"؛ لأنك إن قلت:} أُوتِيتُهُ عَلَىا عِلْمٍ { فالحق قد قال في شأن قارون: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ } [القصص:81] أين ذهب علم قارون الذي جاء به؟.
إذن فكل أمر من الأمور يجب أن تنسبه لله،فإن اختل شيء فيك من هذه المسألة فاعلم أنك لبَّست وخلطت إيمانك بظلم،والحق سبحانه وتعالى منا ذلك حتى تكون النعمة
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 872)
(2) - التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج ج 7 ، ص: 275