نُفُوسِهِمِ الحَمِيَّةُ للإِسْلامِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم،وَلِيَزْدَادُوا يَقِينا في دِينِهمْ بِطَاعَةِ اللهِ،وَطَاعَةِ رَسُولِهِ،وَاللهُ تَعَالى هُوَ الذِي يُدَبِّرُ أمرَ الكَوْنِ،فَيَجْعَلُ جَمَاعةً مِنْ جُنْدِهِ يُقَاتِلُون لإِعْلاَءِ كَلِمَةِ الحَقِّ،وَيَجْعَلُ غَيْرَهم يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الشَّيْطَانِ،وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَرْسَلَ عَلَيْهِم جُنْداً مِنَ السَّماء يَقْضُونَ عَلَيهم،لكِنَّهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى شَرَعَ الجِهَادَ والقِتَالَ لما في ذلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ التِي لاَ يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ،وَاللهُ عَلِيمٌ بِالأُمُورِ،حَكِيمٌ في شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
وَإِنما قَدَّرَ اللهُ تَعَالى ذَلِكَ لِيَعْرِفَ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ نِعْمَةَ اللهِ،وَيَشْكُرُوهَا فَيَدْخُلُوا الجَنَّةَ لِيَبْقَوْا فِيها خَالِدِينَ أَبداً،وَلِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ بِأَعْمَالِهم الصَّالِحةِ،وفي ذلِكَ ظَفَرٌ لَهُم بِما يَرْجُونَ،وَمَا يَسْعَوْنَ إِليهِ،وَهذا الظَّفَرُ بِالبْغِيةِ،وَدُخُولُ الجَنَّةِ،هُوَ الفَوزُ العَظيمُ.وَلِيُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ،وَالمُشْرِكِينَ بِرَبِّهمِ وَالمُشْرِكَاتِ،في الدُّنيا بالقَهْرِ والغَلَبةِ،وَبِتَسْلِيطِ النَّبِيِّ وَالمُسْلِمِينَ عَلَيهِمْ،وفي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الأَليمِ في نَارِ جَهَنَّمَ،وَقَدْ كَانَ هؤلاءِ المُنَافِقُونَ وَالمُشْرِكُونَ يَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ لَنْ يَنْصُرَ الرَّسُولَ وَالمُؤْمِنينَ عَلَى الكَافِرينَ،وَكَانُوا يَتَرَبَّصُونَ بِهِمِ الدَّوائِر وَقَدْ دَعَا اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى هؤُلاءِ بِأَنْ تَدُورَ عَلَيهِمْ أَحْدَاثُ الزَّمَنِ بِالسَّوْءِ،وأَنْ تَنْزِلَ بِهِمِ النَّكَبَاتُ وَالمَصَائِبُ،ثُمَّ لَعَنَهم اللهُ وَغَضِبَ عَلَيهِمْ،وَأَنْذَرَهُم بِأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أليماً في نَارِ جَهَنَّمَ،وَسَاءَتْ جَهَنَّمُ مَصِيراً يَصِيرُ إِليهِ المُنَافِقُونَ وَالمُشْرِكُونَ [1] .
والسكينة لفظ معبر مصور ذو ظلال والسكينة حين ينزلها اللّه في قلب،تكون طمأنينة وراحة،ويقينا وثقة،ووقارا وثباتا،واستسلاما ورضى.
ولقد كانت قلوب المؤمنين في هذه الواقعة تجيش بمشاعر شتى،وتفور بانفعالات متنوعة.كان فيها الانتظار والتطلع إلى تصديق رؤيا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بدخول المسجد الحرام ثم مواجهة موقف قريش وقبول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرجوع عن البيت في هذا العام،بعد الإحرام،وبعد إشعار الهدي وتقليده.كان هذا أمرا شاقا على نفوسهم ما في ذلك ريب.
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4466)