إبراهيم فقبَّله وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه [1] ، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان [2] ، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله [3] ؟ فقال: (( يا ابن عوف إنها رحمة ) )ثم أتبعها بأخرى [4] فقال: (( إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) ) [5] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه: فقلت يا رسول الله تبكي أَوَلَمْ تَنْهَ عن البكاء؟ وزاد فيه: (( إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهوٍ ولعبٍ ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب، ورنّة
شيطان )) . قال: (( إنما هذا رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحم ) ) [6] .
(1) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله. فتح الباري لابن حجر، 3/ 174.
(2) تذرفان: يجري دمعهما. فتح الباري لابن حجر، 3/ 174.
(3) وأنت يا رسول الله: أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله: (( إنها رحمة ) ):أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمت من الجزع )) فتح الباري لابن حجر، 3/ 174.
(4) ثم أتبعها بأخرى: قيل: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله: (( إنها رحمة ) )بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: (( إن العين تدمع ) )،فتح الباري لابن حجر،3/ 174.
(5) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (( إنا بك لمحزونون ) )، برقم 1303، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315.
(6) فتح الباري لابن حجر، 3/ 174.