سنقرأ القصة القرآنية كما هي في القرآن الكريم، اذ وردت في موطنين؛ في سورة الأنبياء وسورة الصافات، وفيها المدح لفاعلها على وجه تتطلع إليه نفوس المؤمنين وتهوي إليه أفئدتهم، وفي الوجه المقابل سنعرض ما نقدر عليه من فقه منحرف، وتصورات باطلة، وتحاليل جاهلة، وحروب قذرة يفعلها اليوم خصوم أتباع ملة ابراهيم عليه السلام حين يقتدون به فيكسرون الأصنام.
ما يثبته القرآن من معاني المدح لابراهيم عليه السلام هي الحقيقة، وهي ما يسعى إليه المهتدون، وما سنعرضه من أقوال المخالفين هي حقائق واقعة كذلك، نقرؤها ونسمعها ونشاهدها، أي ليست خيالاً، ولا عرضها سيكون رواية من صنع خيال صاحبها، فإذا قلت قال الشيخ كذا، فقد قال الشيخ ذلك حقيقة لا خيالاً ولا وهماً، ولكني لم أذكر معاصراً باسمه لمعنى أريده، وهو أن أترك للقارئ هذا الفعل، اذ أن واقعه فيه هذه الشخوص، فهو يعرفهم، وقد سمع منهم، ولذلك سيكون هذا القائل ليس واحداً، بل بعدد القائلين الذين يعرفهم قراء هذا الكتاب.
قضية أخرى وهي كيفية الرد على خط الانحراف وخاصة فريق الفقهاء الجدد ومن معهم من أصحاب الخطاب الديني البدعي، لأن أقوالهم هذه وأدلتهم فيها قد تبدو متماسكة، أو كما يقال: لها وجهة نظر، فكيف الرد الفقهي الأصولي عليها؟
لم أرد في هذه الورقات الرد على كلامهم فقهياً وبيان ما فيه من انحراف، إنما أردت أن أعرض فساد مقابل الفعل الايماني لابراهيم عليه السلام ومتبعيه من المهتدين، اذ مجرد عرض أقوالهم أمام فعل قرآني ممدوح يكشف زيف هذه الأساليب المسلوكة اليوم من قبل أصحاب العمائم وحملة ما يسمى بالفكر الاسلامي وقادة الأحزاب التي قبلت صورة المسلم من عابد مجاهد عماد صورته هي ذكرى الدار الأخرى، إلى مجرد"حزبي"مشغول بالهم الذي تعيشه الأحزاب العلمانية الكافرة ولكن بغطاء اسلامي لا يملك إلا الاسم فقط.
عرض الصورة الواقعية أمام فعل قرآني مهتدي يكشف للمسلم اليوم مقدار انحراف المخالفين عن خط القرآن، لأن الخطاب الفقهي الصحيح يحتاج إلى تقويم اعجاج المنهج الأصولي المتبع من قبل الفقهاء الجدد، وهذا مسلك يحتاج المرء إلى مستوى علمي خاص لا يفقهه الكثيرون من دارسي كليات الشريعة فكيف بغيرهم؟! ولأضرب مثلاً بما يسمى بفقه التيسير وبما يسمى بفقه المصالح والمفاسد.
ففقه التيسير أساسه عند السابقين يقوم على الزندقة بالمفهوم الذي يطرق بعض المشايخ اليوم، فشعار التيسير في الكتاب والسنة وكلام السلف من فقهاء الأمة المرضيين لا يلتقي أبداً مع المفهوم الضال الذي يتبناه الفقهاء الجدد، إذ أن التيسير عندهم اليوم يعني اختيار المقول الأيسر من كلام الفقهاء المجتهدين، وهذا مبني على قاعدة تصويب المجتهدين، وهي قاعدة صرح السابقون أنها أساس الزندقة، لأنها تنسب للشرع القول وضده، وتجعل خطأ الفقيه ديناً يجوز اتباعه اختياراً، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الفرق بين أجر الاجتهاد وبين صوابه وخطئه، فالفقيه يخطئ وله اجر الاجتهاد، لكن تصويب المجتهدين