فهرس الكتاب
الصفحة 21 من 76

وههنا ذهب بسرعة وسراً حتى ينفذ فعلهم فيهم، وكونه قطع الأصنام جذاذاً لم يكن مانعاً من الفعل السريع لأنه استخدم قوته (باليمين) ، وهو كذلك (( فتى ) ).

ابراهيم عليه السلام يعلن غضبه مع الأصنام عند التكسير ويستهزئ بها:-

(( ألا تأكلون ) )

- (( ما لكم لا تنطقون ) )

هذا الحوار المنفرد بين ابراهيم عليه السلام والأصنام يدل بجلاء مقدار ما يكنه الخليل من بغض نفسي وقلبي ضد هذه الجمادات التي اتخذت آلهة من دون الله من قبل سفهاء الخلق من المشركين، وهو حوار لم يشهده معه أحد حتى يقال إنه أراد أن يكشف لهم عجزها وعدم قدرتها على الفعل، سواء الأكل أو الكلام، لكن هي حالة نفسية ذاتية، وهي انفعالات النفس المؤمنة أمام هذه الجهالات، وهذه الانفعالات لا تعاب، على الرغم أنها حوار ذاتي ومغلق، لكن دافعها ما ركب في قلب المؤمن من معاني حق وإيمان.

المحكمة:-

لما رجع المشركون إلى أصنامهم فإذا هي حطام أشبه بالأصل التي أخذت منه، ووسطها كبير الأصنام قائماً، وبدأ التساؤل عن الفاعل (( من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ) )

لم يدم التساؤل طويلاً بل قال بعضهم (( سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم ) ).

هذا القول يدل أن هذا الفتى ليس مشهوراً، ولا معروفاً في أوساط المتسائلين، فقد مكّروا صفته إذ هو مجرد (( فتى ) )ولم يشيروا إلى اسم يتداولونه على وجه المعرفة والتبين، بل هو (( يقال له ابراهيم ) )، فلا والده مشهور لينسب إليه، ولا له تاريخ يعرف به.

هل هذا الأقوى في ما تشير له الآية، أم أن الأمر على خلاف ذلك، إذ أبوه كبير السدنة كما يقولون، وبالتالي لم يكن هذا اللفظ إلا احتقاراً منهم حتى لا ترتجف أيديهم في البطش عند محاكمته؟

النفس تميل إلى القول الأول والله أهلم.

(( قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) ).

لقد بلغ غباؤهم وطغيانهم (الأثنان) قمتهما وهم يحضرون ابراهيم (( على أعين الناس ) )، اما غباؤهم فإن الداعي إلى الله يبذل جهوداً مضنية للوصول إلى الناس، واحضار الناس جميعاً لدعوتهم هو مراده، كما كان طلب موسى عليه السلام من فرعون أن يكون التحدي يوم الزينة كما في سورة طه، وكان هم قريش طيلة مكوث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أن يمنعوه من مجرد الالتقاء بالناس والحديث معهم كما قال تعالى عنهم: (( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) )،والقصص في هذا مشهورة منها قصة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه فإنهم قالوا له: (( يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام