وفي سورة العنكبوت قال تعالى (( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ) )
وفي سورة الصافات قال تعالى (( قالوا ابنوا له بنياناً وألقوه في الجحيم ) ).
والآيات تدل أن الذي قيل أولاً هو ما في العنكبوت قم ما في الأنبياء ثم ما في الصافات.
فهم ترددوا في ما يفعلون به (( اقتلوه أو حرقوه ) ).
ثم حسموا أمرهم بالتحريق لأن هذا ما يناسب نصرة الآلهة.
فلما استقر أمرهم على ذلك نفخ الشيطان فيهم بأن يجعلوا النار التي يحرقون بها لها بنيان عظيم حتى تبدو جحيماً كبيراً، وقد علموا أن كبر هذه النار سيمنعهم من طرحه طرحاً فيها بل سيضطروا إلى الرمي والإلقاء.
وقد فعلوا ذلك كله ولم يتوانوا.
فجاء الأمر الإلهي للنار (( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم ) )فتم له النجاة كما قال تعالى (( فأنجاه الله من النار ) )فوقع الحكم الإلهي بأنهم الأخسرون، وأن أمرهم وإن أجروه على ما يريدون من الميد لكن كان حالهم السقوط والهزيمة.
(( وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ) )
(((فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين ) )
(( فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) )كما في سورة العنكبوت.
لقد خرج ابراهيم عليه السلام من النار سليماً معافى ورد الله كيد المشركين.
لقد قرر ابراهيم الخليل الرحيل عنه قومه، وحمل نفسه ذاهباً إلى ربه مهاجراً (( وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) )فخرج هو ولوط عليه السلام، هذا المؤمن الوحيد أمام كل هذه الحكمة النبوية الإبراهيمية الباهرة، وأمام كل هذه الآيت التي تلين لها الحجارة، فقال تعالى (( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) ).
لقد كسر الخليل الأصنام فما ازدادوا إلا كفراً، وأنجاه الله من النار فلم يزدادوا إلى عتواً، وأما هو فلم يكن أمامه إلا أن يحمل نفسه وزوجته ورفيقه تاركاً الوطن والأهل والوالد والمال إلى أرض أخرى، هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين.
هذه هي قصة ابراهيم عليه السلام مع كسر الأصنام، وكانت سبباً لأمور جرت له، رفعه الله بها، وحقق له الخير ما لم يخطط لنفسه، يقرؤها المؤمن بقلب مهتدي، فلا تذهب به ظنونه إلا إلى حب الخليل، وحب فعله، وحمله على خير ما يقع من البشر من الفعل في هذا الحال الذي عاشه لأن ابراهيم ولا شك صاحب حكمة وحلم.
فعل مهتدي، وبصيرة نافذة، لم يرد منه إلا تحقيق التوحيد في الأرض بإقامة الحجة على قومه حتى لو لم يهتدوا، لأن اتلاف النفس من أجل هداية المشركين منهي عنه كما قال تعالى (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً ) )وقال تعالى (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) )وقال تعالى (( إن أنت إلا نذير ) )و (( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ) )و (( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من