المسلمين اليوم في البلاد أن لا يتكلموا عن الجهاد ولا يذكرونه لأن في ذكره على ما تقوله كتب الفقه إنما هو اعلان حرب في وقت لا يحمد فيه.
أما زعمكم أن هذا مناقض لحكمة الدعوة فهذا من جهلكم بمعناها، إذ الحكمة تعني أن لا يقول الداعي إلى الله كلمة تؤذي سامعها من الحق، ولو صح قولكم هذا لوجب على الداعي أن يستر جلَّ دينه، بل يستر أركان توحيده وعقيدته، لأن ركن التوحيد أن تكفر بالطاغوت كما قال تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) )،والكفر بالطاغوت يقتضي الكفر به وبعباده كما قال الله تعالى على لسان ابراهيم ومن معه من المؤمنين (( كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله ) )،وقال الله على لسانه: أف لكم ولما تعبدون من دون الله )) ،ومن مقتضيات التوحيد أن تبين للناس عاقبة كفرهم إن عبدوا غير الله كما قال الله في قصة ابراهيم عليه السلام (( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير، والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ) )وقال الله على لسانه لقومه (( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار، وما لكم من ناصرين ) ).
فهذه هي أصول الدين التي يجب الدعوة إليها، فقائلها هو الحكيم، ومن سترها هو الضال الجاهل الجبان حتى لو زعم الحكمة الكاذبة، لأن هذه هي حكمة الجبناء لا حكمة الأنبياء وأتباعهم، فأن يصرخ المرء في الناس بالحق الذي أنكروه إنما هو حكيم على ملة ابراهيم وأتباعه عليه السلام، وهذا الذي أراده عمر الفاروق.
ثمّ إنه أراد أن يبين أنه بالإيمان الذي اهتدى إليه لم يعد يخافهم ويخشاهم، وهو على استعداد أن يتحمل تبعة هذا الايمان الذي وقر في قلبه، وهذا من الصدق مع الله، أي أن يرى الله من عبده أثر الإيمان عليه، وتغيرها له بسببه، ومن ذلك تركه خشية الناس مهما كثروا، وكذلك استعداده أن يدفع ثمن هذا الايمان، فهذه معاني جهلتموها حين قلتم ما قلتم من الجبن الذي سميتموه حكمة، إذ أن واقعكم يقول هذاـ اذ سترتم الحق والتوحيد، وجلستم إلى المرتدين الذين يحكمون بغير الشريعة، فأحلوا ما حرم الله من الربا الذي قال فيه:- (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) )فلم تعلنو الحرب على من أعلن الله ورسوله وأتباعه الحرب عليهم، بل جالستموهم، وضحك بعضكم إلى بعض، فلم يصرخ أحد منكم صرخة الفاروق، ولا صرخة أبي ذر، فضل بسببكم المسلمون، لأنهم لو رأوا منكم صراخاً لهذا لكان الحال غير الحال، ثمّ إنكم جلستم إليهم وهم يتحاكمون إلى أنظمة الكفر في المجالس الدولية كالأمم المتحدة والجامعة العربية، وهي المجالس التي لا يشك مسلم يعلم التوحيد أن شرائعها هي شرائع الكفر، وأن من التزم بها هو كافر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ولو زعم أنه مسلم، فلم تفعلوا ما فعل الهداة من أتباع ملة ابراهيم محطم الأصنام، بل زعمتم أنكم حكماء، أي تسكتون عن الحق الذي يغضب المجرمين، طمعاً بقبول الجلوس معكم والابتسام في وجوهكم،