فهرس الكتاب
الصفحة 63 من 76

وذلك غبنها عن هذه الجهالات التي تسبب لهم الضرر، ثم إنهم في سعة من انفاق ما يحبون من الزكاة والصدقة في أبواب شرعية لا يلحقهم بسببها الضرر، بل لهم فيها منافع أخرى غير الأجر من الله تعالى.

قال أهل الحق والإيمان:-

أما انفاق كل المال في الجهاد ونصرة الدين فهو فعل الصديقين، وهو فعل إمامهم في هذه الأمة، فهو الذي أتى بكل ماله ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في القصة المشهورة عن الفاروق رضي الله عنه ومحاولته السبق والمنافسة له كما هي عند أبي داود والترمذي، فعلم أن هذه مرتبة أخ خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهو أبو بكر الصديق، فعيبكم على هذا الفعل كعيب المريض على صفاء الماء، ولا غرو أن يقع ذلك منكم فلا تفقهونه، لأن مراتبكم لم تفقه ما هو واجب فكيف تفقه المستحب بل الاحسان ومقام الصديقين؟!

إن هذا المقام هو مقام من يتوكل على الله سبحانه وتعالى حق توكله فيقول لسائليه:"تركت لهم الله"، ليقينه أن الله حسبه وهو كافيه، أما الذين يبحثون عن زلات الفقهاء ليجعلوها ديناً حين تحقق لهم الشهوات والأهواء فلن يرضوا هذه المقامات، وستنكرها قلوبهم، لأن من حرص على الجمع فرآه خير ما يفعل في هذه الدنيا، لن يفهم فقه العطاء الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وصف (( إن محمداً يعطي عطاء ما يخشى الفاقة ) ).

ومما لا تعلمونه في هذا الباب أن أمر الانفاق على الدين وأهله، ولعى الجهاد وأصحابه ليس هو معنى الصدقة على الفقير والمسكين، ولا هو على معنى الوصية، فأن يتصدق المرء بكل حاله على الفقراء يجعل من نفسه فقيراً يحتاج هو وأهله الى الصدقة بعد ذلك، وكذلك الوصية بكل المال للآخرين لا تجوز لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: لئن ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء يتكففون الناس )) ،فإن دفع الفقر عن الآخرين ليكون المرء وأهله فقراء غير سديد في الشرع ولا في الفعل، وهذا غير المعنى في اتفاق المرء على الجهاد وأهله، ففي اصابة المرء الجهد بالفقر والحاجة في سبيل نصرة الدين ورفعة شأنه كباب تعريض المرء نفسه وبدنه للفناء أو الأذى بالجهاد في سبيل نصرة الدين ورفعة شأنه.

لكن لما كان أمر الدين ليس عظيماً في قلوبكم، بل لا ترونه يستحق أن يبذل له، لما تعودتم من الحال أن تأكلوا باسم الدين، فتنفتنوا بسبب وظائفكم فيه، ويهدى لكم لذلك رأيتم أن البذل للدين لا يستحق هذا المعنى في زمانكم.

إنه ليس من عجيب الأمر أن لا يعرف عنكم إلا الانفاق على الشهوات حتى صارت بيوتكم كقصور الظلمة المترفين الذي قال الله في أئمتهم (( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتكم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تسكتبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) )كما لا يعرف عنكم البذل إلا نسائكم وأولادكم، فمن كان هذا شأنه فإن عيبه على مثل أفعال الصديق لا يكون غريباً ولا عجيباً.

لقد عاد الدين وأهله غرباء، لا يعرف الناس فقه ما يفعلون ولا ما يقولون، اذ غلب على الناس حب الشهوات واتباعها وغلب على أهل الدين الرغبة في الدنيا والاعراض عن ذكر الدار الآخرة، فصارت الفتوى على هذه

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام