في هذا الحديث معنى لا نقول به، ولا نفتي أهل زماننا بفحواه، ولا ننصح المسلمين بأن يقتفوه، لأن هذا المعنى يجر المفاسد، ويلطخ سمعة الاسلام، ويعمق كراهية غير المسلمين بالمسلمين والاسلام، وهذا المعنى هو التسرع بدافع الغيرة على الدين وحرمات الشرع في إيذاء الجاهلين والمتطاولين على الاسلام وبني الاسلام والمسلمين، فهؤلاء المتحمسون حين يسمعون كلمات فاجرة ظالمة في حق الله ورسوله والمؤمنين تأخذهم العاطفة الإيمانية فيندفعون بلا روية ولا تفكير في القصاص من أصحاب هذه الكلمات، فما هي النتيجة التي تقع بفعلهم المتسرع هذا؟
ابتداءً يؤذي المسلم نفسه بأن يسجن أو يقتل أو يطارد، وهذا مفسدة بلا مقابل، ثم تتعمق صورة المسلمين الشريرة في العالم وأنهم ارهابيون وقتله، وهذا شر كبير تبذل الجهود الكبيرة لمسح هذه الصورة وتغييرها، ولذلك فإننا ننصح المسلمين باتباع الطرق السلمية والقانونية، أي التي تسمح بها البلاد، وبهذا يتحقق النفع ويخف الضرر، وتتلاشى المفسدة.
الحمد لله الذي خلق للمعاني رجالاً يموتون ويبتلون بسببها، وخلق للشهوات عبيداً يشقون في تحصيلها، فإن من يمنع المرء أن يموت أو يسجن أو يعذب في سبيل معاني الايمان وقيمها إنما هي الدواب التي لا تنشط إلا للمشاكل والمرعى كما قال الله عن أئمتهم:"إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل"فحين تمنعون الرجال المؤمنين من هذا حرصاً على حياة المقتدين بكم والمستفتين لكم فإنكم تبطلون أعظم ما في هذه الحياة من فعل ألا وهو الشهادة والابتلاء في سبيل الايمان وشعبه ومعانيه، وهذه لو تفكرتم بها من خلال قواعد القرآن وقيمه، ومن خلال ميزان الجنة ونعيمها لدفعتهم الناس إليها دفعاً، ولرغبتموهم في اقتناصها اقتناص الأوابد للفرائس، لكن لما غابت قيم الايمان وذهبت معالمها، ولما صارت الدار الآخرة الفاظ عقائد كلامية لا معاني قلوب، ومباحث تدريس لا حياة نفوس كانت منكم هذه الأقوال الجاهلة، فيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتمعر وجوهكم، ولا تنتفض الغيرة في قلوبكم، بل تبقون باردين كبرودة الثلج، وساكنين سكن الصم الجلاميد، وأقصى ما يأتي منكم كلمات هادئة وكأنكم تتكلمون عن القمر أو المريخ، مع أنه لو قتلت كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم في سبيل رد هذه الكلمات لكان هذا من أعظم ما يحبه الله ويرضاه، ولكانوا عنده في عليين شهداء، نقول لكم هذه مع أن كلمة (( شهداء ) )لم يعد لها في النفوس عندكم قيمة، وكيف تكون كذلك ونراكم تطلقونها على قتلى جنود الطواغيت، بل لا تستحون من تسمية المشركين منهم بهذه الأوصاف، فحين تصبح مراتب القرب من الله تجارة تتسلقون بها ليرضى عنكم أولياؤكم فلا غرابة أن تتحول إلى سلعة مزيفة لا تعينكم شيئاً في الفتاوى التي تقولونها، وفي المواعظ التي تتحدثون بها.
لقد ماتت معاني الغيرة من قلوبكم، فلا عجب أن تنكروا غيرة سعد ووارث غيرة سعد، ممن تهون عليهم أرواحهم ونفوسهم، فهي أهون عندهم من قلامة ظفر حين يبذلها لله ولدينه ولمعالم الايمان، لأن هذه النفوس قد