فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 76

أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: فوالله ما راجعته حتى قام يجر رداءه، واتبعته أنا، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته:-

يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.

قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال:- وطلح (أي تعب) فقعد وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمئة رجل لقد تركناها لكم أو تركتوها لنا.

قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة، وقميص موشى (أي مخطط) حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟

فقالوا:- صبأ عمر.

قال: فمه، رجلاً اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أتريدون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلوا عن الرجل.

قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه.

قال عبد الله:- فقلت لأبي -بعد أن هاجر المدينة: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟

قال: ذاك- أبني- العاصي بن وائل السهمي.

قال ابن كثير:- اسناده جيد قوي.

قال الفقهاء الجدد:-

في هذا الخبر معنى لا نفتي به ولا نقوله، إذ أن استفزاز الفاروق لقريش على هذا الوجه الذي وقع في الخبر ليس من حكمة الدعوة، فلو أنه ترفق بأصحابه فزارهم في بيوتهم يشرح لهم معاني الاسلام التي يجهلونها لكنا في ذلك هدايتهم، أما أن يعمد إلى رجل سفيه يعلم منه طيشه في نقل الحديث على وجه يستفز له المقاتل فيتخذه وسيلة لنشر خبر اسلامه فهذا ما لا نعلمه من حكمة الدعوة، ولذلك رأيناه قد وقع له من الشر الذي صار بينه وبني أهله وقومه، وهو نتيجة اختيار الطريق التي فعلها.

ثمّ إن في قول الفاروق كما في الخبر ما لا حب للداعي أن يقولها لقومه، أي قوله:- (( فاحلف بالله لو قد كنا ثلاثمئة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ) )ففي قوله هذا تهديد لهم أنه سيحاربهم ويقاتلهم هو ومن معه من المؤمنين إن بلغوا هذا العدد، وهذا القول لا يقوله المرء لحظة الاستضعاف، لأنه اعلان حرب صريح كما يقال اليوم، بل الوجاب في لحظة الاستضعاف هو كف اليد، ومن معانيها كف اللسان بالتخويف لهم، إذ لو وقع هذا اليوم لكان سبباً في استئصال المؤمنين الضعفاء الذين لا يملكون ما يمنعهم، ولذلك فالوجاب على المستضعفين من

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام