المشركين فليقصد شخوصاً بعينها، وأدوات بعينها وهي أسلحتهم، وأما مقاتلة المرتدين في بلادنا، فإننا وإن كنا لا نجيزه، لكن ممتلكات الدولة هي ملك الأمة، وأي افساد لها افساد لأملاك الأمة، وهذه معصية.
ثمّ إن هذه النخل يأكل منها الطير، ومنافعها للبيئة عظيمة، فأثر حرقها مفسدة على الكون بأجمعه لا على أصحابها فقط كما يقصد الحارقون لها.
لقد جاء الاسلام بعمارة الأرض لا بخرابها، وجاء بالاصلاح لا بالفساد، والجهاد في سبيل الله تعالى عمل شريف يحقق هذه المقاصد ولا يأتي بضدها.
حقاً إنكم أصحاب أوهام وأحلام، لا تصلحون لهذه الأرض التي تعيشون عليها، فإنكم تأتون بالأقوال والعبارات التي نهاية أمرها أن يكون أهل الاسلام غنماً سائمة لا تدفع عنها عاديات الذئاب، ولا يكونون إلا أحلاس بيوتهم يأكلون ويشربون، ويصارعون الأعداء المدججين بالسلاح والعتاد بكلمات الحب، ويقابلون رصاصهم بالورود، ولو وقع هذا لكان قوله تعالى فيكم دون غيركم (( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ) )،فإن مقابلة الفساد المسلح المقاتل بأقوالكم هذه هو أقوى عمد نشر هذا الفساد وتجذيره في الأرض، ثمّ إياكم أن تظنوا أن أقوالكم هذه هي أقوال مهدية أو جميلة في العقول، أو رائقة في النفوس، فإنها والله لصاحب العقل الفطري أشبه بالقاذورات، لا يرضاها سليم الفطرة سوي النظر، ويكفيكم بأن ترددوا ما قاله أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود بني النضير عندما حرق نخيلهم وقطعه فقالوا:- يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض وتعيبه على من يصنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟
إن الذين يقولون هذا الكلام، ويزنون الأفعال بهذه الموازين هم أكذب خلق الله، وأفجر خلق الله، وأعظم الناس فساداً في الأرض، وإنكم تلزمون غرزهم بهذا، اذ تخرجون الحدث عن فضائه ومعناه، وكأن الصورة أن هناك من يأتي إلى امرئ مسالم، لم يأت بشر قط، بل هو مسقط عدل، يأكل من ثمار نخيل، ويطعم القانع والمعتر، فأتاه آت بغير سبب موجب فحرق عليه نخيله وقطعها، وهذه الصورة هي عين ما يصنعها سحرة الطواغيت اليوم حين يقتل أحد رجالهم، فيأتون بأهله من زوجه وأولاده وأمه يبكون عليه حزناً، والأبن البار، والصديق الوفي، ومع ذلك كله فقد أتاه أهل الاجرام وهو على ذلك من الخير فاغتالوه، وحرموا كل هؤلاء من هذه الصفات النادرة فيه.
هذه أوصاف تطلق على جنودهم الذين يقتلون المساكين، وتطلق على ضباطهم الذين يعذبون المسجونين، فينخدع بها الجهلة أمثالكم ممن قال الله تعالى فيهم (( وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ) ).
تزعمون أن أموال الدول التي يحكمها أهل الردة أنها أموال الأمة، وكأنكم تخاطبون قوماً من أهل القمر لا أهل تلك البلاد، وتزعمون أن أموال الناس من غير المقاتلين في بلاد الكفر الأصلي لا علاقة لها بقوة الدول التي تقاتلون جنودها، فهل في رؤوسكم عقول الأسوياء من البشر أم أنتم صنف آخر من غيرهم؟ ثمّ إن العجب منكم