أنكم تزعمون أنكم أهل بصر بالسياسة والاقتصاد، وتعرفون حال زمانكم على وجه يؤهلكم الافتاء في النوازل والحوادث.
نعم إن الجهاد في سبيل الله إنما هو لمقاصدالخير للوجود ومن مقاصده كما يقوله القرآن في حادثة حرق نخل بني النضير: (( وليخزي الفاسقين ) )،فإن ما تهربون منه من ايذاء احبابكم وأصدقائكم هو مقصد قرآني كما قال تعالى (( ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم عمل صالح ) )،لكن لما كان الكفر بالله عندكم ليس أمراً عظيماً، وليس هو معيار البغض في الله، ولا يعلق عليه منع ولا عطاء، ولا غنيمة ولا فيء، ولا منّ ولا فداء، فإنكم لم تفهموا هذا ولن تفهموه حتى تعلموا أن أعظم مقاصد الجهاد هو تحقيق عبودية الله في الأرض، واخزاء الكافرين والفاسقين.
إن منع الكافر المحارب من رغد العيش، وقلب حياته جحيماً، وافساد ماله الذي ينعم به هو سبيل الأنبياء جميعاً ممن فرض الله عليهم الجهاد، فهل تعلمون أن الغنائم لم تحل إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما كان شأنها مع الأنبياء السابقين أن تجمع في مكان واحد ثم تنزل عليها نار من السماء فتحرقها، فهل هذا افساد وتخريب في الأرض، أم اصلاح لها على منهج الأنبياء؟!
إنكم لو أنصفتم لرأيتم معنى وجود المال في يد المحاربين والفاسقين، وكيف يجر الفساد في الأرض، وهذا ما فقهه موسى عليه السلام وهو يناجي ربه سبحانه وتعالى (( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) )،ولذلك منع الشارع اعطاء السفهاء أموالهم التي يملكونها، بل حجر عليها.
فما هو الخير للوجود والعالم: وجود المال بيد المفسدين لافساد الناس والعالم أم حرقها وازالتها من الوجود؟
أما قولكم:- إن في افسادها ودمارها منع من وصولها ليد المسلمين، فمتى يكون هذا، وتقع بيد المسلمين حينها يتغير الحكم، لكن هل صار من الفقه عندكم منع ما هو محقق لما هو مظنون؟ ذلك بأنها الآن في يد أهل الفساد يقيناً، وتتخذ للإفساد يقيناً، وأما سقوطها بيد المسلمين فهو ظن، فما هو الفقه عندكم في هذا الباب.
أما إن هذه النخيل لغير المقاتلين فقد تقدم الجواب على هذا في الحديث السابق، ولكن من عجيب الأمر أن افساد هذه النخيل، وتدمير أموال (( المدنيين ) )كما تزعمون هو ما يحقق الاستسلام للمقاتلين كما هو معروف في سنن الحروب والقتال، ولكنكم لا تفقهون.
أما خوفكم على الهوام والطيور فنفاق ممجوج، ولو عقلتم قوله صلى الله عليه وسلم (( إن الله وملائكته وأهل السماء وأهل الأرض حتى النملة في حجرها، وحتى الحيتان في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير ) )لخجلتم من قولكم هذا، فيا حسرة على فقهكم الذي لم يقرأ قوله تعالى حين دمر فرعون وجنوده فقال (( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) ).
أما إن الاسلام جاء لعمارة الأرض لا بخرابها فهذا حق، وإن الاسلام ليعلم أهله أن أعظم الأعمار فيها هو توحيده وعبادته وتحكيم شرعه، وإن أعظن العمارة لها طمس قوة المشركين والظالمين والفاسقين، فإنه بالتوحيد